للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الموقف هو موقف العدل والإنصاف، فإن الموافقة على مثل ذلك تؤدي إلى الوقوع في الباطل وموافقة المبطل، والمبادرة بالرد تؤدي إلى رد الحق؛ لأن المتكلم بذلك قد يريد حقًّا، فكان في التوقف والاستفصال مخرجٌ من التورط برد الحق، أو الموافقة على الباطل، هذه قاعدة مقررة معروفة، وهي منهج من مناهج الجدل والمناظرة.

ونأتي لهذه الكلمات: «تعالى عن الحدود»، هذا لفظ مجمل، والحد يطلق ويراد به تحديد الماهية، مثل الحد عند المناطقة، أي: التعريف الذي يتضمن تحديد كنه الشيء وماهيته؛ فإن أريد هذا فهو ممتنع، إذ لا سبيل إلى تحديد الرب تعالى وذكر حقيقته، فتعالى عن أن يحده الحادون، وأن يصلوا إلى معرفة كنهه وحقيقته، قال شيخ الإسلام: «أهل العقول هم أعجز عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها» (١)، فهذا المعنى حق، تعالى الله عن أن يدرك أحد حقيقة ذاته أو حقيقة صفاته.

ويأتي لفظ «الحد» ويراد به أنه ليس ساريًا في العالم حالًّا في المخلوقات؛ بل هو فوق سماواته، وهذا المعنى جاء عن الإمام ابن المبارك، لما قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: «بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه. قيل: بحد؟ قال: بحد» (٢).


(١) التدمرية ص ٢١٤.
(٢) نقض عثمان بن سعيد ص ٥٧ والرد على الجهمية ص ٤٨، والسنة لعبد الله بن أحمد ١/ ١٧٤، والإبانة ٣/ ١٥٨، وانظر: بيان تلبيس الجهمية ٣/ ٤٢.

<<  <   >  >>