الأولاد وأمهم واحدة، وتتفاوت خلقتهم وأخلاقهم وعقولهم وحظوظهم، ابحثْ عن أسرار هذه التخصيصات لا تجدُ إلى ذلك سبيلًا.
وقوله:«لم يَطَّلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل».
فكيف بمن دونهم؟ إذا كان الرسل الذين هم صفوة الخلق، والمقربون من الملائكة، لم يطلعوا على سر القدر، فهذا يؤكد أن ذلك مما استأثر الله به واختص بعلمه، فسِرُّ القدر من الغيب المطلق؛ لأن الغيب نوعان: غيب مطلق، وغيب نسبي.
فالغيب النسبي: الذي يعلمه بعض الخلق دون بعض، فهو غيب بالنسبة لمن لم يعلمه، وغيب مطلق لا يعلمه إلا الله كما في الدعاء المعروف:«أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»(١)، فالسر القدري من الغيب المطلق الذي اختص الله به، لم يُطْلع عليه ملكًا مقربًا ولا نبيًّا مرسلًا؛ لأنهم لا علم لهم إلا ما علَّمهم الله: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [البقرة: ٣٢]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)﴾ [الإسراء].
* * *
(١) رواه أحمد ١/ ٣٩١، وصححه ابن حبان (٩٧٢)، والحاكم ١/ ٥٠٩، وابن القيم في «الصواعق المرسلة» ٣/ ٩١٣، وحسنه ابن حجر كما في «الفتوحات الربانية» ٤/ ١٣ من حديث ابن مسعود ﵁، وقال الدارقطني في «العلل» ٥/ ٢٠٠: إسناده ليس بالقوي.