للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما اختلاف التضاد، فقد يكون الصواب في أحد الجانبين، وقد يكونون جميعًا على الباطل، كاختلاف ملل الكفر، وأهل البدع، فكلهم مخطئ، كما قال سبحانه: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقِ بَعِيدٍ (١٧٦)[البقرة]، فالمختلفون اختلاف تضاد قد يكونون مذمومين كلهم، كاختلاف أهل الباطل في باطلهم، وقد يكون أحد المختلفين محمودًا والآخر مذمومًا، كالاختلاف بين المخطئ والمصيب، كما قال : ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ﴾ [البقرة: ٢٥٣]، فالاختلاف بين المؤمنين والكفار اختلاف تضاد، والحق والصواب في جانب المؤمنين.

وأما اختلاف التضاد الذي يكون بين علماء الأمة؛ فالحق أن المصيب من المجتهدين واحد، لكن المخطئ مأجور على اجتهاده كما في الحديث المشهور عن النبي : «إذا حكم الحاكم فاجتهد، ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ فله أجر» (١)، فكلهم محمود؛ المصيب منهم والمخطئ؛ لأنهم مجتهدون، طالبون للحق، محمودون على اجتهادهم، ولكنَّ الله تعالى يوفق من شاء للصواب، كما ذكر الله عن النبيين داود وسليمان فقال: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء]، فشهد لهما جميعًا، بالحكم والعلم» (٢).


(١) رواه البخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦) من حديث عمرو بن العاص .
(٢) ملخص من كلام شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم ١/ ١٤٩ - ١٥٥.

<<  <   >  >>