فلفظة نبي لا تُشعِر بالتبليغ، وكأن هذا التعريف مستمد من لفظة «نبي»، ولفظة «رسول» ليس إلا، وهذا تعريف غير مستقيم؛ لأن قولهم: إن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه فيه ملاحظتان:
الأولى: أنه أوحي إليه بشرع يدل على أنه يكون على شريعة يستقل بها.
والثانية: أنه لم يؤمر بالتبليغ؛ بل إنما هو مكلف بنفسه؛ فكأن الشريعة التي أوحي بها إليه مختصةٌ به فيتدين بدين يخصُّه، هذا ما يفيده هذا التعريف، ومعناه أنه لا يأمر، ولا يدعو، ولا ينهى! وهذا خلاف ما وصف الله به الأنبياء؛ كأنبياء بني إسرائيل، قال ﷾: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ [المائدة: ٤٤]، فكان أنبياء بني إسرائيل يحكمون بالتوراة، وكانوا يسوسون الناس كما جاء في الحديث عن النبي ﷺ:«كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي»(١).
والصواب: أن كل نبيٍّ رسولٌ مأمور بالتبليغ، لكن الإرسال على نوعين:
الأول: الإرسال إلى قوم مؤمنين بتعليمِهِم، وفتواهُم، والحُكمِ بينهم، وهذه وظيفة الأنبياء.
والثاني: الإرسال إلى قوم كفار مكذبين لدعوتهم إلى الله، وهذه وظيفة الرسل.
وبهذا يحصل الفرق بين النبي، والرسول.
(١) رواه البخاري (٣٤٥٥)، ومسلم (١٨٤٢) من حديث أبي هريرة ﵁.