أخبارهم - الحجازي منهم والعراقي والشامي والخراساني والمصري والمغربي، ومن كان وراء النهر أو بالأندلس - على معنى موجز شاف كاف ليس في التعريفات أوضح ولا أيسر منه؛ مقتبس من الكتاب والسنة، وموافق للعقل والفطرة، ومترجم لواقع الجيل الأول، وهو:"أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص".
وأكثرهم لم يزد عن هذه العبارة ولم ينقص، ومنهم من اختلفت عبارته قليلا أو أضاف إليها قيدا إيضاحيا، لكن المعنى الذي أرادوه جميعا واحد؛ فلم يكن اختلافهم في بعض الألفاظ إلا كما يختلف الصادقون عادة في التعبير عن أمر واحد محسوس ظاهر.
وهذا وحده دليل كاف لمن كانت له بصيرة على أن هؤلاء هم الجماعة حقا، وأن من عداهم فرق زيغ وضلالة، من اقتفاها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين، فولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.
وهذا الإجماع نقله كثير من المؤلفين الثقات؛ وها هي ذي نماذج منهم:
١ - يقول الإمام الحجة أمير المؤمنين في الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى: "لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم؛ أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر، لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرن بعد قرن (١) أدركتهم وهم متوافرون أكثر من ست وأربعين سنة، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين، والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد، وبالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد، مع محدثي أهل خراسان، منهم: المكي بن إبراهيم، ويحيى بن يحيى، وعلي بن الحسن بن شقيق، وقتيبة بن سعيد، وشهاب بن معمر.
وبالشام: محمد بن يوسف الفريابي، وأبا مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وأبا المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، وأبا اليمان الحكم بن نافع. ومن بعدهم عدة كثيرة.
وبمصر: يحيى بن كثير، وأبا صالح - كاتب الليث بن سعد - وسعيد بن أبي مريم، وأصبغ بن الفرح، ونعيم بن حماد.