وتفسير من يقول: الإيمان لا يتفاضل، يقول: إن فرائض الله ليست من الإيمان. فميز أهل البدع العمل من الإيمان، وقالوا: إن فرائض الله ليست من الإيمان، ومن قال ذلك فقد أعظم الفرية، أخاف أن يكون جاحدا للفرائض رادا على الله أمره.
ويقول أهل السنة: إن الله قرن العمل بالإيمان، وأن فرائض الله من الإيمان، قالوا:«والذين آمنوا وعملوا الصالحات» موصول العمل بالإيمان. ويقول أهل الإرجاء: لا، ولكنه مقطوع غير موصول.
وقال أهل السنة:«ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن» فهذا موصول، وأهل الإرجاء يقولون: بل هو مقطوع.
وقال أهل السنة:«ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن» فهذا موصول.
وكل شيء في القرآن من أشباه هذا فأهل السنة يقولون: هو موصول مجتمع (١) ، وأهل الإرجاء يقولون: بل هو مقطوع متفرق. ولو كان الأمر كما يقولون لكان من عصى وارتكب المعاصي والمحارم لم يكن عليه سبيل، فكان إقراره يكفيه من العمل، فما أسوأ هذا من قول وأقبحه فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(فيه دليل على أن هذا لازم قولهم لا أنه قولهم، فليبحث عن دليل آخر) .
وقال فضيل: أصل الإيمان عندنا وفرعه - بعد الشهادة والتوحيد، والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، وبعد أداء الفرائض - صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وترك الخيانة، والوفاء بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين، والرحمة للناس عامة.
قيل له - يعني فضيلا -: هذا من رأيك تقوله أو سمعته؟ قال: بل سمعناه وتعلمناه، ولو لم آخذه من أهل الفقه والفضل لم أتكلم به.
وقال فضيل: يقول أهل الإرجاء: الإيمان قول بلا عمل، ويقول الجهمية: الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل، فمن قال: الإيمان قول وعمل، فقد أخذ بالوثيقة، ومن قال: الإيمان قول بلا عمل؛ فقد خاطر، لأنه لا يدري أيقبل إقراره أو يرد عليه بذنوبه.
وقال - يعني فضيلا - قد بينت لك، إلا أن تكون أعمى.
(١) أي حقيقة مركبة جامعة للأمرين كما سيأتي في مبحث الحقيقة المركبة (الباب الخامس) .