للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما لم يذكرها الأكثرون لأنها شرط لصحة كل عمل شرعي بلا استثناء، فلا حاجة لذكرها في كل تعريف، وأيضاً فإن العبارة هي أشبه بالحد العقلي، والحدود لا تذكر فيها الشروط وإنما تذكر الأركان. ومما يوضح ذلك أن الإمام أحمد رحمه الله قال هو أيضاً: "الإيمان قول وعمل ونية صادقة" لكن لما سأله بعض تلاميذه: هل لا بد من النية؟ وهو سؤال يشعر بأن من لم يذكرها قد أخل بالمراد - قال الإمام: "النية متقدمة" (١) ، أي فمن لم يذكرها فلبداهتها، ومن ذكرها فلأهميتها، ففي كلام الإمام هذا إشارة لسبب ترك أكثر السلف، وهو أيضاً في أكثر كلامه (٢) .

٣ - من عبّر بألفاظ أخرى قد يفهم منها أنها تخالف تلك الكلمة أو استدراك عليها وأشهر هذه الألفاظ قول من قال منهم: "هو اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان" وهذه العبارة شاعت عند المتأخرين من أهل السنة، والظاهر أنهم اختاروها احترازاً من الفهم الخطأ الذي فهمه المبتدعة - وغيرهم - من قول السلف: "قول وعمل" حيث فهموا أن القول خاص باللسان، والعمل خاص بالجوارح، فكأن السلف غفلوا عن الإيمان القلبي. وهذا من أسوأ الفهم، ولهذا اقتضى الأمر تبيين معنى كلام السلف على النحو الآتي في المبحث الثاني.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ... ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان، فتارة يقولون: هو قول وعمل ونية، وتارة يقولون: هو قول وعمل ونية واتباع سنة، وتارة يقولون: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح.

قال: وكل هذا صحيح، فإذا قالوا: قول وعمل، فإنه يدخل في القول قول القلب واللسان، وهذا هو المفهوم من لفظ القول والكلام ونحو ذلك إذا أطلق ... "

وذكر اختلاف الأقوال في مسمى الكلام، ثم قال: "والمقصود هنا أن من قال من السلف: الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.


(١) الخلال، لوحة ٩٨ ب.
(٢) مثلما في لوحة ٩٩ وغيرها.

<<  <   >  >>