ويفهم منه - كذلك - أن الفرق بين المرجئة والسلف أن السلف زادوا على تعريف المرجئة "العمل" وجعلوه شرط كمال، وعليه فمن ترك العمل بالكلية فهو عند المرجئة مؤمن كامل الإيمان، وعند السلف مؤمن تارك لشرط الكمال فحسب.
ويمكن أن نفهم منه أيضاً أن تعريف المرجئة والمعتزلة أوجه من تعريف السلف، لأن المرجئة عرفوه بركنين والمعتزلة بثلاثة والسلف عرفوه - حسب فهمه - بركنين وشرط كمال، والتعريفات إنما تذكر الأركان لا الشروط، فضلا عن شروط الكمال.
والأهم من هذا ما سبقت الإشارة إليه من توهم انفصال هذه الأجزاء الثلاثة، بحيث يتحقق الركنان: القول والاعتقاد مع انتفاء العمل بالكلية ولا يزيد صاحبه عن كونه ناقص الإيمان، مع أن السلف نصوا على أن تارك العمل بالكلية تارك لركن الإيمان، لأن انتفاء عمل الجوارح بالكلية لا يكون إلا مع انتفاء عمل القلب أيضاً، فلا يصح أن نقول إنه حقق اعتقاد القلب وترك عمل الجوارح.
وسيأتي إيضاح لهذا في باب:"الحقيقة المركبة" الآتي آخر الرسالة، والمقصود هنا تفضيل العبارة المذكورة وبيان ما في الأخرى من إيهام لم يقصده قائلوها من السلف قطعاً، ولكن وقوعه لبعض المتأخرين يجعل عبارة الأكثرين هي الأولى بالأخذ والاتباع.
معنى الإقرار والتصديق في كلام السلف:
ورد عن بعض السلف تفسير الإيمان بالتصديق، أو وصف الإيمان بأنه تصديق وعمل، أو إقرار وتصديق، ونحو ذلك (١) ، ولما كانت المرجئة - وخاصة الأشاعرة - يفسرون الإيمان بأنه التصديق القلبي - على ما سنوضحه في بابه - وهم يعنون به مجرد التصديق الخبري الذهني، الذي هو نسبة الصدق إلى المخبر أو الخبر من غير إذعان ولا قبول، كما تقول لمن أخبرك إن وراء البحر قارة تسمى أمريكا: صدقت، أو من قال: "إن مساحة المربع = طول الضلع x نفسه": صدقت - لما
(١) منهم سعيد بن المسيب والإمام أحمد، وقد ورد مرفوعاً في إحدى روايات حديث أبي ذر الذي ذكر فيه آية «ليس البر أن تولوا وجوهكم» الآية، انظر الإيمان ص ٢٧٩- ٢٨١،٣٨٠