للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان طرفا النزاع هما أهل الشام وأهل العراق - وكلاً آتاه الله فضلاً - فإن الطائفة "الفضلى" هي تلك المجموعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم الذين أمسكوا عن الفتنة ولم يكونوا يرون السيف بين المسلمين أصلاً (١) .

وليس إمساكهم مجرد حياد سلبي (وهو ما ينطبق على موقف المرجئة فيما بعد) بل هو موقف إيجابي شرعي يستند على النصوص الثابتة، كما سنفصل بإذن الله.

وهذه الحقيقة غابت عن أذهان بعض العلماء - لا سيما من فقهاء العراق (٢) ومن تبعهم، وكذا بعض أصحاب الأهواء قديماً - ثم تلاهم من تلاهم من الحاقدين وجهلة الباحثين المحدثين، الذين زادوا بأن نسبوا الصحابة للإرجاء أو نسبوا المرجئة للصحابة.

ولكن - للإنصاف - لا بد أن نذكر سبب خطأ أولئك العلماء - وهو سبب كثيراً ما يقع فيه الباحثون ألا وهو "التعميم"، ولو استخدمنا الاصطلاحات المنطقية لقلنا إن هؤلاء جعلوا "المحمول موضوعاً والموضوع محمولاً" فانقلبت القضية وكذبت.

فإن قضية: إن "المرجئة ممسكون عن الفتنة" صادقة، فإذا أصبحت القضية "كل الممسكين عن الفتنة مرجئة" صارت كاذبة.

ولذلك كان لزاماً علينا أن نفصل أقسام المحايدين لنرى أن هذا الحكم إنما ينصب على بعضهم لا على الجميع:

١ - الفئة الأولى:

بعض كبار الصحابة وأجلائهم رضي الله عنهم مثل: سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وغيرهم.


(١) إن ترجيحنا لموقف الممسكين عن الفتنة وتفضيلهم لا يعني أن كل فرد منهم هو أفضل من كل فرد في معسكر الطائفتين - لا سيما وعلي أفضل الأمة كلها حينئذ - ولكن موقفهم هو أفضل المواقف، وقد يتخذ المفضول في قضية معينة موقفا أفضل من موقف الفاضل، وليس في الأمة يومها بعد علي أفضل من سعد ابن أبي وقاص وقد كان من الممسكين. انظر المبحث التالي لهذا.
(٢) يرى هؤلاء الفقهاء أن كون علي ومن معه هم الفئة العادلة يقتضي تخطئة وتأثيم الممسكين عن القتال معه، لأن الله أمر بقتال الباغية وهذا المذهب رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية، انظر: مجموع الفتاوى (٤/٤٤٩) ، ضمن فتواه عن الصحابة في أول الجزء ٣٥
وقد استغلت الشيعة هذا المذهب، ثم غلت فيه حتى كفرت كل من لم يقاتل مع علي، ولكن الشيعة ليسوا ممن يعتد بخلافهم؛ لا في هذه المسألة ولا في غيرها ولله الحمد.

<<  <   >  >>