للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مبرراً للعداء والبراء، إذ قالوا: كيف يختلفون ويتقاتلون وهم أصحاب رسول الله وأعلم الناس بالدين، والأصل أن يكونوا أكثر الأمة تمسكاً ووفاقاً ودعوة وجهاداً؟! إذن لقد انحرفوا عما كانوا عليه زمن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك ولا ريب، ومن ثم فلا حرمة لمن نكص على عقبيه ولا اعتبار لسابقته في الإسلام ما دامت هذه خاتمته!!!

هذه الفكرة تبناها الفكر الخارجي الذي بلغ به حنقه على الأطراف جميعها إلى تدبير مؤامرة لاغتيال زعمائها "علي ومعاوية وعمر بن العاص" - رضي الله عن الجميع - على ما هو مشهور في التاريخ.

وعلى رأي الملطي (١) رحمه الله - هذه الفئة هي أصل المعتزلة ولا يخفى ما بين المعتزلة والخوارج من تشابه لا سيما في حكم مرتكب الكبيرة.

كما أن هذا هو أصل المذهب الذي يرى تخطئة وتفسيق أو تكفير كلا الطائفتين، وهو مذهب كثير من أهل الأهواء من المعتزلة والخوارج وبعض المتكلمين والمتفلسفين.

وكان من هذه الفئة فرقة أقل غلواً وشططاً، فقالوا: ما حدث من الصحابة ما حدث وهم على الدرجة العليا من الفضل والعلم - إلا وفي الأمر ما لا نستطيع إدراكه ولا نأمن مغبة الحكم عليه، وإذا كنا عاجزين عن تصور حقيقة القضية ولم يكن بالإمكان ترجيح أحد طرفيها، فلنقف موقفاً وسطاً بين القول بأنهم على الحق - الذي يتنافى مع ما بدر منهم من خلاف واقتتال وبين القول بأنهم على الباطل - وهو ما يتنافى مع فضلهم وسابقتهم.

وهذا الموقف - في رأيهم - هو أن نبرئ أنفسنا من الوقوف مع أحد منهم أو عليه، فنكل أمر الجميع إلى الله وهو الذي يتولى حسابهم أما نحن فلا نوالي أحداً منهم ولا نعاديه ولا نشهد له بحق ولا باطل.


(١) انظر التنبيه والرد ص ٣٦، مع أنه يرى أن اعتزالهم إنما كان بعد مبايعة الحسن لمعاوية. ونحن نقول: إن بذرة الخوارج وضمنها الإرجاء وجدت منذ الاختلاف على عثمان رضي الله عنه ثم قتله، ولكنها برزت بعد صفين بوضوح كما سيأتي في مبحث: (الفتنة الثانية) .

<<  <   >  >>