للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي حديثه عن المرجئة خاصة يقول - ضمن حديثه عن الثورات التي قامت بها الشعوب المفتوحة على المستعمرين -: "على أن بعضهم - أي الثوار - قد ذهب إلى أبعد من هذا - أي المطالبة بالعدالة الاجتماعية بزعمه - فضمنوا عقيدة التوحيد معنى أخلاقياً ودينياً عميقاً".

فما هو هذا المعنى الأخلاقي الذي لا تتضمنه عقيدة التوحيد، حتى أدخله فيها ثوار العجم من المرجئة؟

يشرحه قائلاً: "وقد عزي إلى جهم بن صفوان - أحد رؤوس المرجئة وكاتم السر للحارث بن سريج - هذه الكلمات: إن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية، وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام، وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك، فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل، ومن أهل الجنة" (١) .

"وكان من الطبيعي أن تدفع مثل هذه العقيدة أصحابها إلى احتقار الفرائض العملية للإسلام، ووضعهم واجبات المرء نحو من يحيط به من الناس فوق آراء الفروض التي جاء بها القرآن"!! - يعني أن العدالة والمساواة بين الناس أهم من الالتزام بأحكام الدين -!!

ثم يقول: "ومن هذه الناحية كان الإرجاء في خراسان أشبه شيء بأثر عكسي أخلاقي لذلك الإسلام الشكلي؛ دين الحكومة العربية في ذلك الحين، تلك الحكومة التي أصرت على عدم المساواة بين جميع رعاياها في الدين، باتباعها النظام الجائر لجمع الضرائب وجباية المكوس (٢) ".

وأما "يوليوس ويلهاوسن" فيبدأ من النقطة نفسها، لكنه أكثر وقاحة (٣) حين ينسب ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فيقول - أخزاه الله -: "كان محمد قد بدأ خطواته وهو مقتنع بأن دينه في جوهره نفس الدين اليهودي والنصراني، فكان يتوقع أن يلقاه


(١) يلاحظ أن هذا الكلام الذي نسبه ابن حزم لجهم (وللأشعري) هو لازم قوله، وليس من قوله أن اليهود والنصارى يعتبرون مؤمنين من أهل الجنة، ولكنه هوى هذا المستشرق في الانتصار لبني دينه، وأنهم كانوا محرومين من هذه الروح الأخلاقية الجهمية!!
(٢) ص ٦٦، ويلاحظ أنه لا ينسب الظلم لبعض ولاة بني أمية، بل يجعله هدف الفتوح كلها كما سبق.
(٣) وأوقح منه من يعتمد على آرائه ممن ينتسب للإسلام، وقد جعلوا لكتابه من الأهمية أنهم ترجموه مرتين إحداهما سورية "يوسف العش"، والأخرى مصرية "أبو ريدة"، حتى يستدرك كل منهما ما قد يكون فات الأخرى من هذا الكلام العلمي الموضوعي!!

<<  <   >  >>