للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن المؤلم - كما أشرنا - هو متابعة المقلدين من المنتسبين للإسلام، كما فعل المستشرق التركي"فؤاد سيزكين" الذي تابع بروكلمان على الخطأ نفسه (١) .

وبالرجوع لتاريخ دمشق (٢) لن يجد القارئ هذه الكلمة، بل لا يحتاج الأمر لمراجعة، فهؤلاء المذكورون من جلة علماء السلف، ولو أن ابن عساكر نفسه نسبهم للإرجاء لكان هذا تهمة له هو.

ويقع بروكلمان في خطأ آخر فادح حين يقرر أن الإرجاء إنما نشأ في الشام، في حين بقيت العراق متمسكة بتعاليم القرآن الأصلية، ويرجع ذلك إلى أثر النصارى الذين كان لهم مكانة عظيمة عند حكام بني أمية (٣) !!

والحقيقة أنه لم ينفرد بذلك بل شاركه آخرون منهم "جولد زيهر"، وتبعهم مقلدون عرب في نسبة الإرجاء إلى بني أمية، وأصل هذا هو كتب الرافضة وبعض المعتزلة، وهو مخالف لما تواتر في أخبار المرجئة وأعلام رجالها من أنهم عراقيون (٤) - وسيأتي تفصيل ذلك - حتى لقد صرح بذلك الإمام الأوزاعي رحمه الله قائلا: "وقد كان أهل الشام في غفلة عن هذه البدعة حتى قذفها إليهم بعض أهل العراق ممن دخل في تلك البدعة" (٥) .

على أنه لا يفوتنا أن نشير إلى أن بعض أتباع الأمويين كان لديهم إرجاء خاص بالملوك والخلفاء، وهو أن الله إذا ولى أحداً خلافة المسلمين كفر سيئاته بحسناته (٦) ، والظاهر أن هذا رد فعل لغلو الشيعة ضدهم.


(١) انظر: فصل العقائد من تاريخ التراث العربي.
(٢) انظر: تهذيب تاريخ دمشق (٣/١٣٤) ترجمة أمية بن عثمان.
(٣) ١/٢٥٦)
(٤) كما سيتبين جليا من الفصول والمباحث التالية.
(٥) الشريعة للآجري، ص ١٤٢، واللالكائي (٢/١٥٤) ، لكن في رواية الأخير سقطا لو تنبه له المحقق الأخ الدكتور أحمد بن سعد بن حمدان لجزم بما ذكرنا ولم يتردد.
(٦) انظر: منهاج السنة (٣/١٧٧) . وهم يرون تبعا لذلك أن طاعة ولي الأمر مطلقة "أي رد فعل للخوارج والمعتزلة" لكن لم أجد أحدا نسب ذلك لأي من خلفاء بني أمية، فضلا عن معاوية رضي الله عنه الذي لا يجوز أن يظن به ذلك، إلا ما قيل من أن عبد الملك بن مروان سأل الزهري: أحق أن الله إذا ولى أحدا كتب حسناته ولم يكتب سيئاته؟ فأنكر الزهري ذلك مستدلا بآيات سورة (ص) : «يا داود إنا جعلناك خليفة ... » وقال: فالنبي الخليفة أفضل من الخليفة غير النبي!!

<<  <   >  >>