للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الافتراء ومحض الاختلاف، وإن قال به من قد يكون حسن النية - كما سبق بعض الحديث عن هذا -.

إن تصوير المسألة على هذا النحو لا يهدر المنزلة السامية للصحابة فحسب، بل ينسف غاية الدين ومهمة الإسلام من أساسها، إذ يتفق مع الرأي الاستشراقي القائل بأن محمدا صلى الله عليه وسلم ما هو إلا زعيم عبقري وحد قبائل العرب المتناحرة، فلما توفي سرعان ما عاد الخلاف القبلي بين أحياء قريش وغيرها متستراً بالصبغة الدينية!!

وإذا كان هذا الرسول لم يستطع تزكية نفوس الخاصة من أصحابه ويرفعها عن مستوى الإحن والأحقاد الشخصية والصراع السياسي فما فعل إذن ومن ربى؟!!

كما أنه يغفل أصلاً عظيماً من أصول الشريعة وهو الفقه السياسي الإسلامي وأصول الحكم والشورى، التي تتبوأ مركزاً مهماً في الشريعة الكاملة الخالدة.

فإذا كانت هذه الشريعة لم تأت من ذلك بما تسير عليه، وتعرفه الصفوة من الصحابة وارثوا منصب القيادة بعد رسول الأمة صلى الله عليه وسلم، فما الذي جاءت به إذن في هذا المجال؟!

وإليك - من بين عشرات الأمثلة - هذا المثال مما كتبه أحد أساتذة التاريخ في عصرنا، الذي يشغل أستاذ التاريخ ونائب رئيس جامعة القاهرة (١) :

فهذا الأستاذ يتحدث عما جرى يوم السقيفة وكأنه سلسلة ضخمة من الصراع السياسي، على النمط الذي تشهده الحكومات المعاصرة بل هو أعمق وأعظم، لأنه حسب تصوره أنتج فرقاً تمتد على طول التاريخ الإسلامي!!

وهو لا يكتفي بأن يعتبر تلك الحادثة "المشكلة الخطيرة الكبرى التي واجهت الأمة الإسلامية الفتية" (٢) ، بل يرجع إليها أصل نشأة الفرق حين يقول: "ويبدأ التاريخ السياسي للشيعة بذلك النفر من كبار الصحابة، الذي رأى عند اجتماع سقيفة بني ساعدة وبعدها أن علي بن أبي طالب أحق الناس بالخلافة بعد


(١) الدكتور إبراهيم أحمد العدوي في كتابه: تاريخ العالم الإسلامي، طبعة ١٩٨٤م.
(٢) ص ١٧٧، وانظر: ص ١٧٨.

<<  <   >  >>