إن القضية المهمة في دراسة مذهب الخوارج وتحليله، هي معرفة الحقيقة في كون الخوارج فرقة تاريخية ظهرت في عصر من العصور، متأثرة بعوامل بيئية وخارجية، أم ظاهرة عقدية وفكرية تتجدد - أو يمكن أن تتجدد - على مر العصور، وهي تحمل دائما سمات معينة وملامح محددة.
والبحث في هذه الحقيقة يقودنا إلى أصل نشأة الخوارج؛ لأنه يفسر لنا الواقعة التاريخية الأولى من جهة، ويعين على تحديد السمات والملامح من جهة أخرى.
والباحثون العصريون والمحدثون، هم الذين أفاضوا في تحليل قضية الخروج، ولكن بمعايير عصرية وبمنهج مستورد - غالبا - فجاءوا بآراء لا بد من مناقشتها، وأهم هذه الآراء شيوعا - حسبما رأيت - هو الرأي القائل بأن أصل الخروج هو موضوع "الخلافة" وأن التعصب القبلي ومنافسة قريش على هذا المنصب، هو السبب الذي يفسر خروج الخوارج، ومن توابع هذا الرأي القول بأن ظلم بني أمية والعباس وجورهم هو السبب.
والحق أن القائلين بهذا الرأي - رغم اعتمادهم على بعض المأثورات التاريخية - متأثرون بواقع العصر وروحه أكثر من تأثرهم بالحقائق التاريخية المجردة.
فإن موضوع "الخلافة" لا يبدو للباحث المنصف المتعمق إلا مسألة جزئية أو تطبيقية عند أكثر الفرق، وليس هو أصل نشأة جميع الفرق كما يصور هؤلاء؛ بل إن الشيعة وهي الفرقة التي تجعل الخلافة ركنا من أركان الدين، لم يكن أصل نشأتها هي قضية الخلافة نفسها كما سنرى.
وكون التعصب القبلي سبب ذلك مردود بالحقيقة التاريخية، التي تبين أن أغلب الخوارج هم من بني تميم؛ أي من مضر لا من ربيعة ولا من اليمن، وهذا يستلزم أن يكون تعصبهم لقريش لا لمناوئيها؛ فإن قريشا مضرية كما هو متواتر عند أهل النسب، بل ثابت بالأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) .
(١) من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما زلت أحب بني تميم منذ ثلاث: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيهم، سمعته يقول: هم أشد أمتي على الدجال. قال: وجاءت صدقاتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه صدقات قومنا. وكانت سبية منهم عند عائشة فقال: أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل" البخاري (٥/١٧٢) .