للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأعجب من ذلك أن النشار نفسه قال بعد حوالي عشر صفحات فقط: "نشأت القدرية إذن، واعتنقها كثيرون من المسلمين، خارجة عن مذهب أهل السنة والجماعة منذ القدم، وقاومها أهل السنة والجماعة منذ القدم أيضاً". (١)

فهل ابن الحنفية وابناه خارجان أيضاً عن أهل السنة والجماعة أم ماذا!!

إن هذه هي نتيجة الاستقاء من مصادر متناقضة دون تمييز.

والخوارج هي الفرقة الوحيدة التي سلمت من نسبتها إلى مكتب ابن الحنفية!! ولكن الحديث عنها جر إلى إلصاق الإرجاء الغالي الصريح بهذا المكتب، يقول النشار متابعاً حديثه: "لقد ضج المجتمع الإسلامي بالخوارج وبآرائهم ومع ذلك فقد كانت تلقى صدى في عقول الكثيرين فاستجابوا لها، ولم يعرف الخوارج "التقية" كما عرفها الشيعة فانقضوا على مخالفيهم يفشون فيهم القتل الذريع ووجدت دعوتهم في عدم إيمان المخالف أكبر صدى، ووجد الإمام الحسن بن الحنفية أن الذين قاتلوا جده مستندين إلى أصل ظاهره الصدق وباطنه الإفك "الحكم لله لا لعلي" ينشرون أصلاً آخر خطيراً لقتل المسلمين وهو أن لا عقد بدون عمل، فنفر لمجادلتهم وأعلن أنه لا يضر مع الإيمان معصية، وكان يكتب الكتب للأمصار ويعلنها للناس، وبينما كان منطق الخوارج أن مرتكب الكبيرة كافر يجب قتله كان الحسن يعلن أن االطاعات وترك المعاصي ليست من أصل الإسلام حتى يزول بزوالها" (٢) .

ونلاحظ أنه مع هذا الظلم الفاحش للحسن، قد نسب إليه في آن واحد مذهب المرجئة الغلاة، والمرجئة الفقهاء "الحنفية" دون أن يفطن، فإن القائلين: إنه لا يضر مع الإيمان معصية هم الغلاة الذين كفرهم السلف، وأما من قال: إن الطاعات ليست من أصل الإسلام لكنها شرائعه، وأن ترك المعاصي مطلوب والعقوبة عليها ثابتة، فهم مرجئة الفقهاء وهم بريئون من الأول.

والنشار إنما ذكر ذلك تخلصاً، لينتقل إلى الحديث عن أبي حنيفة، ومن ثم تابع كلامه قائلاً: "وهنا ظهرت أول فرقة من أهل السنة، ويمثلها بعد الحسن بن محمد،


(١) نشأة الفكر (١/٢٤٤) ، وأعجب من ذلك أنه هنا يسمي مؤسسها معبد الجهني، وهو كذلك، ويجعله من أهل البصرة، في حين أنه هناك يسميه معبد الجهمي ويجعله من أهل المدينة، وهما في الحقيقة رجل واحد.
(٢) المصدر نفسه، ص٢٣٣

<<  <   >  >>