للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ثم وصف الله هذا الإسم فألزمه العمل، فقال:

«وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ» .... إلى قوله: «صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» .

قال: سلهم هل دخل هذا العمل فى هذا الاسم؟

وقال: «وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» .

فألزم الاسم العمل وألزم العمل الاسم " (١) .

هذا الجدل المبكر (زمن التابعين) فى موضوع العمل يعطينا فكرة واضحة عن مذهب المرجئة الفقهاء فيه، وحقيقة الخلاف بينهم وبين أهل السنة والجماعة منذ نشأتهم، كما بين لنا منهج السلف العلمي فى مجادلتهم، وهو أن أهم جانب فى القضية شغل أذهان السلف هو موضوع عمل الجوارح؛ أى أداء الفرائض واجتناب المحرمات، وأن حقيقة الإيمان لا تكون إلا به مع عمل القلب، فإذا انتفى أحدهما انتفى الإيمان (٢) .

* الجهم بن صفوان:

أما الجهم بن صفوان فهو رأس الضلالات وَأُسُّ البليات، جعله الله فتنة للناس وسببا للإضلال، كما جعل السامرى في بني إسرائيل.

وحسبنا أن نعلم أن هذا الرجل الذي كان من شواذ المبتدعة في مطلع القرن الثاني قد ترك من الأثر فى الفرق الإسلامية الثنتين والسبعين ما لا يعادله أثر أحد غيره (٣) .

هذا مع أنه ليس بإمام يحتج بقوله، ولا عالم يعتد بخلافه، ولا شهد له أحد بخير!!

وقد جمع المصنفون من السلف فى سيرته الشىء الكثير، وكله ذم وتكفير وتشنيع من أئمة الإسلام ورجال النقد، جمع ذلك الإمام أحمد، وابنه عبد


(١) لوحة ١٧٣.
(٢) وسيأتى لهذا مزيد إيضاح بإذن الله فى الباب الأخير.
(٣) حتى إن الشيعة والخوارج والقدرية كلها قد تأثرت به فى قليل أو كثير، ولا سيما فى الصفات، أما المنتسبون للسنة - وأهمهم الأشعرية والماتريدية - وهم على أصوله فى كثير أصول الاعتقاد، ولو لم يكن إلا متابعتهم له فى الإيمان كما سنذكر لكفى.

<<  <   >  >>