للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على هذا الأصل بنى الخوارج قولهم: أن مرتكب الكبيرة غير مؤمن، لأن إيمانه زال بارتكاب الكبيرة، ثم اختلف عليهم بعض فرقهم في معنى هذا الكفر وبعض لوازم هذا القول (١) .

ووافقهم المعتزلة على هذا، لكن لما رأوا أن التسوية في الحكم بين الكافر والمرتد، وبين الزاني والسارق

والشارب يستبعده العقل والشرع، حيث فرق الله بين حكم كل من هذين في الدنيا والآخرة، اكتفوا بإزالة اسم الإيمان عنه ولم يدخلوه في مسمى الكفر، فابتدعوا ما أسموه " المنزلة بين المنزلتين ".

أما في المآل والعاقبة - أي أحكام الآخرة - فهم والخوارج سواء، فقد اتفقتا في الحكم وهو التخليد في النار، واختلفتا في الاسم، فالخوارج سموه كافرا، وهؤلاء جعلوه في منزلة بين المنزلتين.

وأما المرجئة فإنهم - مع الإيمان بالأصل المذكور - وجدوا النصوص الكثيرة (٢) والنظر العقلي يدلان على فساد قول الخوارج ومعهم المعتزلة، ووجدوا كذلك - وهذه شبهة أساس عندهم - أن ارتكاب المحظورات وترك الفرائض هو من جنس الأعمال لا الاعتقادات، فاتفقت سائر فرقهم على إخراج الأعمال من مسمى الإيمان حتى يسلم لهم الأصل المذكور، فيظل تارك الفريضة أو مرتكب المحرم مؤمنا، بل لم يتورع بعضهم عن التصريح بمساواة إيمانه بإيمان الملائكة والنبيين بناء على هذا الأصل.

ثم إن المرجئة اختلفت فرقهم، فمنهم من يقول: الإيمان محله القلب، ومنهم من يضيف إليه إقرار اللسان.

والذين قالوا محله القلب اختلفوا في التسمية، فقال بعضهم: هو المعرفة، وقال آخرون: هو التصديق.

والذين قالوا: أن الإيمان يشمل الاعتقاد والإقرار معا افترقوا، فمنهم من خص الاعتقاد بالتصديق، ومنهم من أدخل سائر أعمال القلب فيه. والذين خصوه بالتصديق أولوا أصل مذهبهم في الإقرار والنطق بأنه علامة على ما في القلب فقط، أو ركن زائد وليس بأصلي ونحو ذلك.


(١) كما سبق فى الفصل الخاص بهم.
(٢) كنصوص دخول الموحدين الجنة مهما عصوا ولو بعد حين، ونصوص إثبات الإسلام لمرتكب الكبيرة.

<<  <   >  >>