للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل مذهب السلف أن تارك العمل بالكلية كافر؛ إذ انعقد إجماع الصحابة عليهم رضوان الله على تكفير تارك الصلاة، ولم يخالف في ذلك أحد حتى ظهرت المرجئة وتأثر بها بعض أتباع الفقهاء الآخرين، دون علم بأن مصدر الشبهة وأساسها هو الإرجاء " (١)

ونعود إلى موضوع انقراض هذا المذهب وتطور الظاهرة، فنقول: إن أحداً في النصف الثاني من القرن الثاني لم يكن يتوقع انقراض هذا المذهب؛ لأنه كان يمثل مذهب الدولة الرسمي - أو شبه الرسمي - ويكاد يسيطر على أصحاب المناصب العلمية والقضائية الرسمية في بغداد والأقاليم.

ولكن لم يلبث أن انقرضت صورته وتحول إلى مذهب فلسفي كلامي منذ القرن الرابع، ومن أهم أسباب ذلك:

١ - المقاومة الشديدة التي بذلها أهل السنة في محاربته، وعلى رأسهم الإمام أحمد - الذي كان يدرس كتاب الإيمان وكتاب الأشربة (٢) له في الحلقات العامة - وماثله واقتدى به علماء الحديث والرجال (٣) فلم يحقق مذهب الحنفية أي انتصار علمي يذكر.

وبعد التغير الجذري الذي انتهت إليه فتنة الإمام أحمد، والمكانة العليا التي تبوأها لدى الخلفاء والعلماء والعامة، وبروز المذاهب الأخرى - لا سيما الشافعية - تقلصت مكانة هذا المذهب في الفروع، وكان تقلصها في الأصول أكثر.

٢ - انتشار المنطق والفلسفة وعلم الكلام، فقد حاول متكلموا هذا المذهب تعويض الهزيمة التي لحقته في المجال العلمى النصي (الكتاب والسنة) بإضفاء الطابع الفلسفي عليه، مستفيدين من هذا الانتشار الذي لم يقابله أهل السنة بما يستحق - لأسباب يطول ذكرها - فمال إليه الطبقة المثقفة، وتخلى معظم الفقهاء الحنفية (وغيرهم) عن التعرض لأمور العقيدة وأحالوها إلى علماء الكلام، وهنا برز من متكلمي الحنفية رجل كان له أعظم الأثر في


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٧/٦١٦) ، وسيأتي لهذا تفصيل وإيضاح في حكم ترك العمل.
(٢) لأن الحنفية يبيحون النبيذ.
(٣) لا سيما البخاري وأبو داود

<<  <   >  >>