للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا غيض من فيض من كلامهم في حقيقة الإيمان وتفسيرها تفسيرا موافقا لقولهم في الكلام النفسي عامة، ومتمشيا مع المقولات الفلسفية مع الإعراض عن النصوص الواردة فيه، فكان طبيعيا ألا يدخلوا العمل فيه بمرة، وهذا هو المطلوب.

وقد سبق قريبا التنبيه إلى معنى الإذعان والانقياد عندهم، فإن بعض الناس قد يفهم أنهم يريدون به العمل والامتثال، ولكن كلامهم واضح في عدم قصد ذلك وأنهم إنما يريدون به الإيمان بوجوب الفرائض لا فعلها.

وليس هذا فهمنا فحسب، بل هو ما شرحه به شارح كلام ابن الهمام نفسه حين قال: " الإيمان هو التصديق بالقلب فقط: أي قبول القلب وإذعانه لما علم بالضرورة أنه من دين محمد صلى الله عليه وسلم، بحيث تعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر ولا استدلال؛ كالوحدانية والنبوة والجزاء ووجوب الصلاة والزكاة وحرمة الخمر ونحوها " (١) .

بل قال المؤلف نفسه: " متعلق الإيمان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب التصديق بكل ما جاء به من اعتقادي وعملي؛ أعني اعتقاد أحقية العملي ".

قال شارحه: " أعني بالتصديق الثاني اعتقاد أنه حق وصدق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم " (٢) !!

وكذلك يقول شارح الجوهرة: " والإسلام أشرحن حقيقته (بالعمل) الصالح؛ أعني امتثال المأمورات واجتناب المنهيات؛ والمراد الإذعان لتلك الأحكام وعدم ردها سواء عملها أو لم يعملها "!!

وقال " والمراد إذعان المذكورات (الصلاة والصيام ... ) وتسليمها وعدم مقابلتها بالرد والاستكبار " (٣)

فالإذعان عندهم هو جزء من الفعل النفسي أو الكيف النفسي أو متعلق من متعلقاتها لا غير (٤) ، فهو ضد التكذيب، أو ضد جحد الوجوب على أحسن الأحوال،


(١) المسايرة ص١٧٤
(٢) ص ٢٠٤ - ٢٠٥
(٣) تحفة المريد ص٦٠
(٤) انظر مع ما سبق المصدر نفسه ص١٩٥، وقد ذكر أن القول بأنه من الكيف النفسي أي مجرد العلم والإدراك بلا عمل اختياري إرادي هو ما يومئ إليه تحقيق سعد الدين التفتازاني.

<<  <   >  >>