للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو جهلها كافر؟ الواقع أن الاختلاف عندهم في تكفير أهل البدع قائم، وهم مضطربون في ذلك بما لا متسع لتفصيله (١) .

والأكثر مخالفة لمذهب السلف هو اعتقاد تكفير من جهل شيئا من أركان الشريعة بإطلاق؛ فإن الإنسان قد يجهل حكماً هو عند غيره معلوم قطعي ويكون مع ذلك معذوراً.. على تفصيل ليس هذا موضعه.

فالبغدادي - ولا ريب - قد جنح في مسألة المعرفة إلى الغلو لكنه سرعان ما تناقض فجنح في مسألة العمل إلى التفريط.

فمع حكمه بأن من فاتته معرفة أحكام الشريعة كافر - بلا تفصيل - تجده يحكم بأن من لم يعمل شيئا منها من غير عذر مؤمن إن كان صحيح المعرفة - كما قال - ومن هنا نفهم أن تلك المعرفة المشروطة إنما هي إدراك مجرد، فلا تستلزم لذاتها امتثالا ولا عملا. والمهم أن هذه " التوفيقية " الواضحة التي انتهجها البغدادي بما فيها من تناقض وتذبذب ظلت هي منهج القوم المتبع ولا تزال، - لا سيما في موضوع ترك العمل - والنصوص الآتية هنا توضح ذلك:

٢ - يقول التفتازاني (٢) :

ضمن كلام معقد طويل عن مسألة " النطق بالشهادة وحكمها ":

... " إن هاهنا مطلبين:

الأول: أن الإقرار ليس جزءاً من الإيمان.

والثاني: أنه (أي الإيمان) التصديق لا غير.

أما الأول فلدلالة النصوص على أن محل الإيمان هو القلب (٣) فلا يكون الإقرار الذي هو فعل اللسان داخلاً فيه.


(١) والجماعة لا يكفرون أهل البدع من أصحاب الصلاة إذا كانوا متأولين، ومن تجرد كلامه عن التأويل وكان مذهبه على سبيل المحادة والمعاندة للدين يكفر، لكنه قد يعامل معاملة المنافق ظاهراً، ولهم تفصيل يدل على أنهم أصحاب القسطاس المستقيم.
(٢) هو سعد الدين مسعود بن عمر، من أشهر أئمة الكلام المتأخرين، توفى ٧٣٩ هـ.
(٣) انظر: فصل حقيقة عمل القلب الآتي، فهذه الدلالة عليهم لا لهم، فضلا عن النصوص الدالة على أن العمل من الإيمان ‍.

<<  <   >  >>