وهو من أعمال القلب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجتمع والإيمان في قلب (١) ، فلا يتصور خلو القلب من الحسد مع وجود آثاره ودلائله على الجوارح، كما لا يستطيع أحد أن يدعي أن فلانا حسود مع عجزه عن الإتيان بدليل ظاهر من عمله.
وقد أخبرنا الله تعالى عن أخوة يوسف وما صنعوا بأخيهم حسدا له على مكانته من أبيه، ومن المحال أن يصدر منهم هذا مع خلو قلوبهم من الحسد، إذ إن أعمال الجوارح إنما هي تنفيذ وتحقيق لإرادة القلب الجازمة، فوجودها في الحالة السوية - أي حالة عدم الإكراه ونحوه - يقطع بوجود أصلها القلبي.
وهذا بخلاف اتهام المنافقين للصحابة رضي الله عنهم، الذي أخبر الله عنه بقوله «فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا»[الفتح: ١٥] ، لأن المنافقين ادعوا أن مانع المؤمنين من استصحابهم إياهم إلى المغانم هو الحسد، وهي تهمة لم يأتوا عليها بدليل إلا المنع نفسه، والله تعالى أمر المؤمنين أن يقولوا لهم:«لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ» .
فهذا سبب المنع، فإذا اتهمهم أولئك بعد هذا بالحسد لم يكن لهذا الاتهام موقع.
والمقصود أنه مع عدم حصول أي دليل أو إشارة للحسد في أعمال أي إنسان لا يصح ولا يقبل من أحد أن يدعي أن قلبه مملوء حسدا، وهذا يعرفه الناس جميعا - المرجئة وغيرهم - في سائر أعمال القلوب، لكن المرجئة تناقض هذا فيما هو أعظم وأهم، فتزعم أنه يمكن أن يكون القلب مملوءا بالإيمان ولا يظهر من ذلك على الجوارح شيء ! بل تزعم وجوده في القلب مع أن أعمال الجوارح كلها بخلافه، في حين أنها لا تصدق أن إنسانا سليم القلب من الحسد إذا كانت أعماله كلها دالة عليه.