وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما انه إذا اظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان، فما شئت من بدعة وضلالة، واتباع هوى، واجتناب هدى، وإعراض عن أسباب السعادة، واشتغال بأسباب الشقاوة، فان ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام.
٤- انه يقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه - لكن قد لا يحس بذلك إلا ذو البصيرة.
٥- انه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل، والصادق والكاذب، فان الله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو جنس عمله، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بان يطلق نور بصيرته عوضا عن حبسه بصره لله، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة، التي إنما تنال ببصيرة القلب.
وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه، الذي هو ضد البصيرة، فقال تعالى:«لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ» ، فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل، والعمه الذي هو فساد البصيرة، ثم عقب الله تعالى على قصتهم بقوله:«إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ» ، وفي ذلك إشارة لما تقدم.
٦- انه يورث القلب ثباتاً وشجاعة وقوة، يجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة، وضد هذا تجده في المتبع هواه، من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها، كما تقدم في كلام الحسن البصري.
٧- أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب، فانه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها، ويجعلها صنماً يعكف عليه القلب، ثم يعده ويمنيه، ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة، فيصير القلب في اللهب، فمن ذلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار، وتلك الزفرات والحرقات، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب، فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور، ولهذا كانت عقوبة أصحاب