للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تارك جنس العمل قبل أن يستتاب وتقام عليه الحجة هو في حقيقة الأمر موضع دعوة، وموضوع بحث ونظر، ولا إشكال في إجراء أحكام الإسلام الظاهرة عليه، ولمن عرف حقيقة حاله أن يدع الصلاة عليه، وأن يمنعه حقوق المسلم المعروفة، لكن ليس عليه إعلام كل أحد بذلك وإلزامه به إلا لمصلحة شرعية، مع الالتزام بالمنهج الصحيح في الدعوة والهجر وقواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحقيق أعلى المصلحتين ودفع أكبر المفسدتين، وفي معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لرؤوس النفاق أعظم القدوة وخير الأسوة. فإذا أقيمت عليه الحجة، وعرضت عليه التوبة، فلا يخلو أمره حينئذ من حالين:

* الأول: أن يلتزم بأداء ما فرض الله عليه من العمل - ولا سيما الصلاة - ويعمل حالاً ما يتعين عليه عمله منها في الحال.

فهذا يحكم له بالإسلام ظاهراً، ونكل أمره إلى الله، فان كان صادقاً في الباطن، وإلا فليس بأعظم من رؤوس المنافقين الذين كانت تجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة مع كونهم كفاراً، في الدرك الأسفل من النار، فهو ممن يصلي أحيانا ويدع أحيانا - كما هو حال كثير من المنتسبين للإسلام - فهؤلاء تجري عليهم الأحكام الظاهرة، حتى تقوم البينة على المعين منهم انه مصر على الترك، وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء الله.

* الثاني: أن يأبى التزام ذلك، ويعرض على السيف حتى يقتل وهو مصر، يرضى أن تزهق روحه ولا يؤدي من فرائض الله شيئاً، فهذا كافر ظاهراً وباطناً على القول الصحيح الذي ليس في مذهب أهل السنة والجماعة غيره، وإن كان في المنتسبين إليهم من دخلت عليه شبهة المرجئة في ذلك، فقال هو عاص ويقتل حداً (١) .


(١) فقول المرجئة: إن الرجل إذا كان مقرا بالفرائض عالماً بوجوبها معتقداً صدق الرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك، ولكنه يأبى فعلها ويصر علي ذلك حتى تقدم عنقه للسيف وتضرب، فهذا يجوز أن يكون مؤمناً في الباطن، سواء قيل بكفره في الظاهر أم لا - هو فرض محال وخبط خيال.بل لو قال ذلك لحكمنا انه كاذب، رافض لدين الله، مستهزئ، متكبر عليه، وهو أشد كفراً وجحوداً ممن لم يقر بوجوبها ممن ام يفر بوجوبها أصلاًً. وكيف يصح أن يقال أن هذا تارك للفرائض بسبب التهاون والكسل، وأي كسل أو تهاون يبقي مع عرض الرقبة علي السيف؟ انظر: مجموع الفتاوى (٧/١٩٢- ٢١٠،٧ /٦١٠- ٦٢١) وسنفصل هذا لاحقا.

<<  <   >  >>