للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل إن هؤلاء القليل عندما يدعون إلى تصحيح الإيمان وتجلية معانيه، ويبينون للأمة الكفر وضروبه وخطره نجدها تقف في وجوههم متهمة إياهم بتكفير المسلمين، كما حصل لشيخ الإسلام ابن تيميه، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والشهيد سيد قطب، رحمهم الله، وأمثالهم، ويعرضون عن تصريح هؤلاء العلماء بأنهم لا يقصدون تكفير الأعيان بل تصحيح حقائق الدين في القلوب والأذهان (١) .

ولئن كان علماء عصور الإسلام الوسطى، من المرجئة أو المتأثرين بالإرجاء يحجمون عن تكفير ملاحدة وحدة الوجود، وأمثالهم من الزنادقة أو الساخرين بالدين من الكتاب والشعراء، وينتحلون لهم التأويات والتبريرات (٢) ، فقد استغنى علماء الإرجاء في عصرنا الحاضر عن هذه التأويلات، لأن الإسلام في عرفهم وراثة لازمة كما تورث الأسماء وأحرف تكتب في الهوية لا ينسخها عمل ولا قول يرتكبه حاملها، ولهذا تجرأ الملاحدة زعماءً وكتاباً على دين الله سخرية واستهزاء، وأصبح هذا ميداناً للزعماء والمفكرين، وملهاة للشعراء والصحفيين، وجرت ألفاظ الاستهزاء على ألسنة العوام فأصبحت في بعض الأحيان والبلدان كالسلام!!

وعم البلاء حتى تعدى مجال الاستهزاء إلى مجال الكفر الجاد الجلي الذي كان أمراً محظوراً ـ ولو عرفاً وعادة ـ فنسى الناس تكفير الباطنية والقرامطة والدروز والنصيرية وأشباههم، بل نسى بعضهم أو شك في كفر اليهود والنصارى (٣) وأمثالهم، وغاب عنهم تماماً كفر طواغيت الدجل والخرافة والسحر، بل سموهم أولياء وصالحين!!

أما طواغيت الحكم والتشريع فقد نسخوا شريعة الله جهاراً ونهاراً، وحمكوا شرائع الطاغوت في الدماء والأعراض والأموال (٤) ، وألزموا الناس في مناهجهم


(١) ذلك أن تصحيح العقيدة أصل ضروري وواجب حتمي لا يحل السكوت عنه، أما الحكم على الأعيان فأمر تطبيقي تبعي له شروطه وضوابطه، ويجوز الخلاف فيه ما دام اجتهادياً.
(٢) كما تمحلوا للحلاج وابن عربي وابن الفارض وأشباههم.
(٣) وكيف يكفرونهم أو يعادونهم وذلك يخالف ما تنص عليه الدساتير من كون الوحدة الوطنية مبدأ مطلقاً، وأن الاخلال بها خيانة عظيمة!! ووسائل الإعلام تصنع من أبناء هذه الطوائف أبطالاً وتسميهم زعماء الاستقلال ورواد الإصلاح، والمناهج الدراسية كذلك!!
(٤) وأعظم أعيادهم الوطنية هو ما يحتفلون فيه بذكرى هذه الدساتير، والقوانين، وتأسيس الأحزاب، وقيام الثورات!!

<<  <   >  >>