للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن البيت ذا الدخل المتوسط ينفق نصف دخله ونصف جهده لملاحقة أهواء تلك الأرباب المتقلبة، التي لا تثبت على حال. ومن وراءها اليهود أصحاب رؤوس الأموال الموظفة في الصناعات الخاصة بدنيا تلك الأرباب. ولا يملك الرجل والمرأة - وهما في هذا الكد الناصب - أن يتوقفا لحظة عن تلبية ما تقتضيه تلك الدينونة النكدة من تضحيات في الجهد والمال والعرض والخلق على السواء.

وأخيراً تجيء تكاليف العبودية لحاكمية التشريع البشرية، وما من أضحية يقدمها عابد الله لله إلا ويقدم الذين يدينون لغير الله أضعافها للأرباب الحاكمة من الأموال والأنفس والأعراض.

وتقام أصناف من (الوطن) ومن (القوم) ومن (الجنس) ومن (الطبقة) ومن (الإنتاج) ، ومن غيرها من شتى الأصنام والأرباب ... وتدق عليها الطبول، وتنصب لها الرايات، ويدعى عباد الأصنام إلى بذل النفوس والأموال لها بغير تردد، وإلا فالتردد هو الخيانة وهو العار!

وحين يتعارض مع العِرْض متطلبات هذه الأصنام فإن العرض هو الذي يضحي، ويكون هذا هو الشرف الذي يراق على جوانبه الدم - كما تقول الأبواق المنصوبة حول الأصنام ومن وراءها أولئك الأرباب من الحكام!

إن كل التضحيات التي يقتضيها الجهاد في سبيل الله ليعبد الله وحده في الأرض، ويتحرر البشر من عبادة الطواغيت والأصنام، ولترتفع الحياة الإنسانية إلى الأفق الكريم الذي أراده الله للإنسان ... إن كل هذه التضحيات التي يقتضيها الجهاد في سبيل الله ليبذل مثلها وأكثر من يدينون لغير الله؛ والذين يخشون العذاب والألم والاستشهاد وخسارة الأنفس والأولاد والأموال إذا هم جاهدوا في سبيل الله - عليهم أن يتأملوا ماذا تكلفهم الدينونة لغير الله في الأنفس والأموال والأولاد - وفوقها الأخلاق والأعراض، إن تكاليف الجهاد في سبيل الله في وجه طواغيت الأرض كلها لم تكلفهم ما تكلفهم الدينونة لغير الله، وفوق ذلك كله الذل والدنس والعار.

وأخيرا فإن توحيد العبادة والدينونة لله وحده، ورفض العبودية والدينونة لغيره من خلقه ذو قيمة كبيرة في صيانة الجهد البشري من أن ينفق في تأليه الأربا ب الزائفة كي يوجه بجملته إلى عمارة الأرض وترقيتها وترقية الحياة فيها.

وهنا ظاهرة واضحة متكررة؛ وهي أنه كلما قام عبد من عبيد الله ليقيم من نفسه طاغوتا يعبد الناس لشخصه من دون الله، احتاج هذا الطاغوت كي يعبد - أي يطاع ويتبع - إلى أن يسخر كل القوى والطاقات: تسبح بحمده وترتل ذكره وتنفخ في

<<  <   >  >>