ولا غرابة في خفاء ذلك على أكثر المسلمين، لأنهم واقعون في شرك الإرادة وهم لا يشعرون.
حتى البلاد التي عافاها الله فتخلصت من شرك التقرب والتنسك لغير الله غزاها الشيطان بشرك الإرادة الخفي، وفتنها ما فتح الله عليها من كنوز الأرض، فانكب أهلها على الدنيا انكباب الغافلين وعبدوا الدراهم والدينار - بل التراب والعقار - وتحولت العقيدة الصحيحة إلى نظرية ذهنية موروثة، وحتى شكلها النظري لم يبق منه لدى العامة إلا معان شاحبة (١) إلا من سلم الله وحفظ.
ورحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب فقد عقد باباً خاصاً في كتابه المبارك "كتاب التوحيد" بعنوان:
"باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا". أورد فيه قوله تعالى:
والحديث الصحيح:"تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط ... " الحديث.
ومراده أوسع وأعمق مما ذكره حفيده العلامة سليمان بن عبد الله في قوله: إن المراد بهذا الباب "أن يعمل الإنسان عملاً صالحاً يريد به الدنيا، كالذي يجاهد للقطيفة والخميلة ونحو ذلك"(٤) .
فهذا وإن كان داخلاً في المراد، لكن تقييده به تضييق لمغزى واسع أحسب أن الشيخ المؤلف أراد إيضاحه، وهو أن أكثر الناس المسلمين وغيرهم جعلوا همهم وحرثهم وكدحهم وتعبهم للدنيا وحدها، فلا تتحرك قلوبهم ولا تنفعل إلا لها وبها،
(١) ومن أجلى مظاهر ذلك أن سحر الدنيا أذاب عقيدة الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين، فترى الشيخ الكبير الذي أفنى زهرة شبابه في جهاد المشركين وقد أصبح المشرك جليسه وأكيله وشريكه في تجارته وأمين سره ووكيل أعماله.. والمشركة مربية لأولاده وعشيرة لنسائه بل ربما أصبح بيته يجمع أدياناً كثيرة وطرائق قدداً والله المستعان.