للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ (١) ] . قَالَ: أَفَرَأَيْت الْخَمْرَ؟

فَإِنّهَا عَصِيرُ أَعْنَابِنَا، لَا بُدّ لَنَا مِنْهَا. قَالَ: فَإِنّ اللهَ قَدْ حَرّمَهَا! ثُمّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ ... [ (٢) ] الْآيَةَ. قَالَ: فَارْتَفَعَ الْقَوْمُ، وَخَلَا بَعْضُهُمْ ببعض، فقال عبد يا ليل: وَيْحَكُمْ! نَرْجِعُ إلَى قَوْمِنَا بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الْخِصَالِ الثّلَاثِ! وَاَللهِ، لَا تَصْبِرُ ثَقِيفٌ عَنْ الْخَمْرِ أَبَدًا، وَلَا عَنْ الزّنَا أَبَدًا. قَالَ سُفْيَانُ ابن عَبْدِ اللهِ: أَيّهَا الرّجُلُ، إنْ يُرِدْ اللهُ بِهَا خَيْرًا تَصْبِرْ عَنْهَا! قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ مَعَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا، فَصَبَرُوا وَتَرَكُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ، مَعَ أَنّا نَخَافُ هَذَا الرّجُلَ، قَدْ أَوْطَأَ الْأَرْضَ غَلَبَةً وَنَحْنُ فِي حِصْنٍ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ، وَالْإِسْلَامُ حَوْلَنَا فَاشٍ، وَاَللهِ لَوْ قَامَ عَلَى حِصْنِنَا شَهْرًا لَمُتْنَا جُوعًا، وَمَا أَرَى إلّا الْإِسْلَامَ، وَأَنَا أَخَافُ يَوْمًا مِثْلَ يَوْمِ مَكّةَ! وَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ هُوَ الّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى كَتَبُوا الْكِتَابَ، كَانَ خَالِدٌ هُوَ الّذِي كَتَبَهُ.

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُ إلَيْهِمْ بِالطّعَامِ، فَلَا يَأْكُلُونَ مِنْهُ شَيْئًا حَتّى يَأْكُلَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى أَسْلَمُوا. قَالُوا:

أَرَأَيْت الرّبّةَ، مَا تَرَى فِيهَا؟ قَالَ: هَدْمَهَا. قَالُوا: هَيْهَاتَ! لَوْ تَعْلَمُ الرّبّةُ أَنّا أَوْضَعْنَا فِي هَدْمِهَا قَتَلَتْ أَهْلَنَا. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَيْحَك يَا عَبْدَ يا ليل! إنّ الرّبّةَ حَجَرٌ لَا يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ ممّن لا يعبده. قال عبد يا ليل: إنّا لَمْ نَأْتِك يَا عُمَرُ! فَأَسْلَمُوا، وَكَمُلَ


[ (١) ] سورة ٢ البقرة ٢٧٨.
[ (٢) ] سورة ٥ المائدة ٩٠.