خُطْبَةُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الصّلَاتَيْنِ
وَكَانَ مِنْ خُطْبَتِهِ يَوْمَئِذٍ: أَيّهَا النّاسُ، إنّي وَاَللهِ مَا أَدْرِي لَعَلّي لَا أَلْقَاكُمْ بِمَكَانِي هَذَا بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا! رَحِمَ الله امرءا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، فَرُبّ حَامِلِ فِقْهٍ لَا فِقْهَ لَهُ، وَرُبّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ! وَاعْلَمُوا أَنّ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا! وَاعْلَمُوا أَنّ الصّدُورَ لَا تُغَلّ [ (١) ] عَلَى ثَلَاثٍ: إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَهْلِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ! أَلّا إنّ كُلّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ، وَأَوّلُ دِمَاءِ الْجَاهِلِيّةِ أَضَعُ دَمَ إيَاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ- كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ، فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ- وَرِبَا الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ كُلّهُ، وَأَوّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ. اتّقُوا اللهَ فِي النّسَاءِ، فَإِنّمَا أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَإِنّ لَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرّحٍ، وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنّ وَكَسَوْتهنّ بِالْمَعْرُوفِ، قَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلّوا بَعْدَهُ إنْ اعْتَصَمْتُمْ به- كتاب الله تبارك وتعالى! وأنتم مسؤولون عَنّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلّغْت وَأَدّيْت وَنَصَحْت! ثُمّ قَالَ، بِإِصْبَعِهِ السّبّابَةِ إلَى السّمَاءِ، يَرْفَعُهَا وَيَكُبّهَا ثَلَاثًا: اللهُمّ، واشهد!
قَالَ: فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عمّه الزّهرىّ، عن أبى سلمة ابن عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بِالْهِضَابِ مِنْ عَرَفَةَ فَقَالَ: كُلّ عرفة موقف إلّا بطن عرنة،
[ (١) ] هو من الإغلال: الخيانة فى كل شيء، انظر النهاية. (ج ٣، ص ١٦٨) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute