للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فِي تَبُوكَ: وَاَللهِ مَا تَخَلّفْت شَكّا وَلَا ارْتِيَابًا، وَلَكِنْ كُنْت مُقْوِيًا فِي الْمَالِ.

قُلْت: أَشْتَرِي بَعِيرًا. وَلَقِيَنِي مُرَارَةُ بْنُ الرّبِيعِ فَقَالَ: أَنَا رَجُلٌ مُقْوٍ، فَأَبْتَاعُ بَعِيرًا وَأَنْطَلِقُ بِهِ. فَقُلْت: هَذَا صَاحِبٌ أُرَافِقُهُ. فَجَعَلْنَا نَقُولُ: نَغْدُو فَنَشْتَرِي بَعِيرَيْنِ فَنَلْحَقُ بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَفُوتُ ذَلِكَ، نَحْنُ قَوْمٌ مُخِفّونَ عَلَى صَدْرِ رَاحِلَتَيْنِ فَغَدًا نَسِيرُ! فَلَمْ نَزَلْ نَدْفَعُ ذَلِكَ وَنُؤَخّرُ الْأَيّامَ حَتّى شَارَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِلَادَ. فَقُلْت: مَا هَذَا بِحِينِ خُرُوجٍ. وَجَعَلْت لَا أَرَى فِي الدّارِ وَلَا فِي غَيْرِهَا إلّا مَعْذُورًا أَوْ مُنَافِقًا مُعْلِنًا، فَأَرْجِعُ مُغْتَمّا بِمَا أَنَا فِيهِ. وَكَانَ أَبُو خَيْثَمَةَ قَدْ تَخَلّفَ مَعَنَا، وكان لا يتّهم فى إسلامه ولا يغمص عَلَيْهِ، فَعَزَمَ لَهُ عَلَى مَا عَزَمَ، وَكَانَ أَبُو خَيْثَمَةَ يُسَمّى عَبْدَ اللهِ بْنَ خَيْثَمَةَ السّالِمِيّ، فَرَجَعَ بَعْدَ أَنْ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَيّامٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي يَوْمٍ حَارّ فَوَجَدَهُمَا فِي عَرِيشَيْنِ لَهُمَا، قَدْ رَشّتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا وَبَرّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً، وَهَيّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا، فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِمَا قَامَ عَلَى الْعَرِيشَيْنِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! رَسُولُ اللهِ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخّرَ فِي الضّحّ [ (١) ] وَالرّيحِ وَالْحَرّ، يَحْمِلُ سِلَاحَهُ عَلَى عُنُقِهِ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلَالٍ بَارِدٍ وَطَعَامٍ مُهَيّأٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَسْنَاوَيْنِ، مُقِيمٌ فِي مَالِهِ، مَا هَذَا بِالنّصَفِ! ثُمّ قَالَ: وَاَللهِ، لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَتّى أَخْرُجَ فَأَلْحَقَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَنَاخَ نَاضِحَهُ وَشَدّ عَلَيْهِ قَتَبَهُ وَتَزَوّدَ وارتحل، فجعلت امرأتاه يكلّمانه ولا يكلّمها، حَتّى أَدْرَكَ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ بِوَادِي الْقُرَى يُرِيدُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحِبَهُ فَتَرَافَقَا، حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ تَبُوكَ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ: يَا عُمَيْرُ! إنّ لِي ذُنُوبًا وَأَنْتَ لَا ذَنْبَ لَك، فَلَا عَلَيْك أن


[ (١) ] الضح: ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض. (النهاية، ج ٣، ص ١٢) .