للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فَلَمّا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْمُشَقّقِ [ (١) ] سَمِعَ حَادِيًا فِي جَوْفِ اللّيْلِ فَقَالَ: أَسْرِعُوا بِنَا نَلْحَقُهُ! وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مِمّنْ الْحَادِي، مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، مِنْ غَيْرِنَا. قَالَ:

فَأَدْرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا جَمَاعَةٌ، فَقَالَ: مِمّنْ الْقَوْمُ؟

قالوا: مِنْ مُضَرَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا مِنْ مُضَرَ.

فَانْتَسَبَ حَتّى بَلَغَ مُضَرَ. قَالَ الْقَوْمُ: نَحْنُ أَوّلُ مَنْ حَدَا بِالْإِبِلِ. فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: بَلَى، إنّ أَهْلَ الْجَاهِلِيّةِ كَانَ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَأُغِيرَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ، فَنَدّتْ إبِلُهُ فَأَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا، فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ! فَضَرَبَ يَدَهُ بِعَصًا، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَقُولُ: وا يداه! وا يداه! وَتُجْتَمَعُ الْإِبِلُ، فَجَعَلَ سَيّدُهُ يَقُولُ: قُلْ هَكَذَا بِالْإِبِلِ! وَجَعَلَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ: أَلَا أُبَشّرُكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! وَهُمْ يَسِيرُونَ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ، فَقَالَ: إنّ اللهَ أَعْطَانِي الْكَنْزَيْنِ فَارِسَ وَالرّومَ، وَأَمَدّنِي بِالْمُلُوكِ مُلُوكِ حِمْيَرَ، يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَيَأْكُلُونَ فَيْءَ الله.

وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَقُولُ: كُنّا بَيْنَ الْحِجْرِ وَتَبُوكَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، وَكَانَ إذَا ذَهَبَ أَبْعَدَ، وَتَبِعْته بِمَاءٍ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَأَسْفَرَ النّاسُ بِصَلَاتِهِمْ- وَهِيَ صَلَاةُ الصّبْحِ- حَتّى خافوا الشمس، فقدّموا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَصَلّى بِهِمْ. فَحَمَلْت مَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إدَاوَةً فِيهَا مَاءٌ، فَلَمّا فَرَغَ صَبَبْت عَلَيْهِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ. ثُمّ أَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمّ الْجُبّةِ- وَعَلَيْهِ جُبّةٌ رُومِيّةٌ- فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ من تحت


[ (١) ] المشقق: واد بين المدينة وتبوك. (وفاء الوفا، ج ٢، ص ٣٧٤) .