للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَحُكّ بِقُرُونِهَا بَابَ الْحِصْنِ، فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ الرّبَابُ فَأَشْرَفَتْ عَلَى الْحِصْنِ فَرَأَتْ الْبَقَرَ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ فِي اللّحْمِ! هَلْ رَأَيْت مِثْلَ هَذَا قَطّ؟

قَالَ: لَا! ثُمّ قَالَتْ [ (١) ] : مَنْ يَتْرُكُ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَحَدَ! قَالَ: يَقُولُ أُكَيْدِرٌ: وَاَللهِ، مَا رَأَيْت جَاءَتْنَا لَيْلَةً بَقَرٌ غَيْرَ تِلْكَ اللّيْلَةِ، وَلَقَدْ كُنْت أُضْمِرُ لَهَا الْخَيْلَ إذَا أَرَدْت أَخْذَهَا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ، ثُمّ أَرْكَبُ بِالرّجَالِ وَبِالْآلَةِ.

فَنَزَلَ فَأَمَرَ بِفَرَسِهِ فَأُسْرِجَ، وَأَمَرَ بِخَيْلٍ فَأُسْرِجَتْ، وَرَكِبَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، مَعَهُ أَخُوهُ حَسّانُ وَمَمْلُوكَانِ، فَخَرَجُوا مِنْ حِصْنِهِمْ بِمَطَارِدِهِمْ [ (٢) ] ، فَلَمّا فَصَلُوا مِنْ الْحِصْنِ، وَخَيْلُ خَالِدٍ تَنْظُرُهُمْ لَا يَصْهِلُ مِنْهَا فَرَسٌ وَلَا يَتَحَرّكُ، فَسَاعَةَ فَصَلَ أَخَذَتْهُ الْخَيْلُ، فَاسْتَأْسَرَ أُكَيْدِرٌ وَامْتَنَعَ حَسّانُ، فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ، وَهَرَبَ الْمَمْلُوكَانِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَدَخَلُوا الْحِصْنَ. وَكَانَ عَلَى حَسّانَ قَبَاءُ دِيبَاجٍ مُخَوّصٌ بِالذّهَبِ، فَاسْتَلَبَهُ خَالِدٌ فَبَعَثَ بِهِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ حَتّى قَدِمَ عليهم فأخبرهم بأخذهم أكيدر.

قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: رَأَيْنَا قَبَاءَ حَسّانَ أَخِي أُكَيْدِرٍ حِينَ قَدِمَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَتَلَمّسُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَيَتَعَجّبُونَ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: أتعجبون من هذا؟ فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا! وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: إنْ ظَفِرْت بِأُكَيْدِرٍ فَلَا تَقْتُلْهُ وَائْتِ بِهِ إلَيّ، فَإِنّ أَبَى فَاقْتُلُوهُ، فَطَاوَعَهُمْ. فقال بجير بن


[ (١) ] فى الأصل: «ثم قال» .
[ (٢) ] المطارد: جمع المطرد، وزن منبر، وهو رمح قصير يطرد به، وقيل يطرد به الوحش.
(لسان العرب، ج ٤، ص ٢٥٧) .