للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَخِيهِ وَخَلّى سَبِيلَهُمَا. وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا فِيهِ أَمَانُهُمْ وَمَا صَالَحَهُمْ، وَخَتَمَهُ يَوْمَئِذٍ بِظُفْرِهِ.

قَالُوا: وَأَقْبَلَ وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ اللّيْثِيّ، وَكَانَ يَنْزِلُ نَاحِيَةَ الْمَدِينَةِ، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَصَلّى مَعَهُ الصّبْحَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلّى الصّبْحَ انْصَرَفَ فَيَتَصَفّحُ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ.

فَلَمّا دَنَا مِنْ وَاثِلَةَ أَنْكَرَهُ فَقَالَ: مَنْ أَنْت؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: مَا جَاءَ بِك؟

قَالَ: أُبَايِعُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فِيمَا أَطَقْت؟

قَالَ وَاثِلَةُ:

نَعَمْ. فَبَايَعَهُ- وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يَتَجَهّزُ إلَى تَبُوكَ- فَخَرَجَ الرّجُلُ إلَى أَهْلِهِ، فَلَقِيَ أَبَاهُ الْأَسْقَعَ فَلَمّا رَأَى حَالَهُ قَالَ: قَدْ فَعَلْتهَا! قَالَ وَاثِلَةُ: نَعَمْ. قَالَ أَبُوهُ: وَاَللهِ لَا أُكَلّمُك أَبَدًا. فَأَتَى عَمّهُ، وَهُوَ مُولِي ظَهْرَهُ الشّمْسَ، فَسَلّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتهَا! قَالَ: نَعَمْ. وَلَامَهُ لَائِمَةً أَيْسَرَ مِنْ لَائِمَةِ أَبِيهِ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَسْبِقَنَا بِأَمْرٍ، فَسَمِعْت أُخْتَ وَاثِلَةَ كَلَامَهُ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ فَسَلّمَتْ عَلَيْهِ بِتَحِيّةِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ وَاثِلَةُ:

أَنّى لَك هَذَا يَا أُخَيّةُ؟ قَالَتْ: سَمِعْت كَلَامَك وَكَلَامَ عَمّك. وَكَانَ وَاثِلَةُ ذَكَرَ الْإِسْلَامَ وَوَصَفَهُ لِعَمّهِ، فَأَعْجَبَ أُخْتَه الْإِسْلَامُ فَأَسْلَمَتْ، فَقَالَ وَاثِلَةُ: لَقَدْ أَرَادَ اللهُ بِك أُخَيّةُ خَيْرًا! جَهّزِي أَخَاك جِهَازَ غَازٍ، فَإِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جُنَاحِ سَفَرٍ. فَأَعْطَتْهُ مُدّا مِنْ دَقِيقٍ فَعَجَنَ الدّقِيقَ فِي الدّلْوِ، وَأَعْطَتْهُ تَمْرًا فَأَخَذَهُ. وَأَقْبَلَ إلَى الْمَدِينَةِ فَوَجَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَحَمّلَ إلَى تَبُوكَ، وَبَقِيَ عِيرَاتٌ مِنْ النّاسِ وَهُمْ عَلَى الشّخُوصِ [ (١) ]- وَإِنّمَا رَحَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بيومين- فجعل ينادى


[ (١) ] شخوص المسافر: خروجه عن منزله. (النهاية، ج ٢، ص ٢٠٨)