للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عِنْدَ ابْنِ الْحَنْظَلِيّةِ، اذْهَبْ إلَيْهِ فَقُلْ لَهُ «إنّ عُتْبَةَ يَحْمِلُ دَمَ حَلِيفِهِ وَيَضْمَنُ الْعِيرَ» . قَالَ حَكِيمٌ: فَدَخَلْت عَلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ يَتَخَلّقُ بِخَلُوقٍ [ (١) ] ، وَدِرْعُهُ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْت: إنّ عُتْبَةَ بَعَثَنِي إلَيْك. فَأَقْبَلَ عَلَيّ مُغْضَبًا فَقَالَ: أَمَا وَجَدَ عُتْبَةُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَك؟ فَقُلْت: أَمَا وَاَللهِ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْسَلَنِي مَا مَشَيْت فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ مَشَيْت فِي إصْلَاحٍ بَيْنَ النّاسِ، وَكَانَ أَبُو الْوَلِيدِ سَيّدَ. الْعَشِيرَةِ. فَغَضِبَ غَضْبَةً أُخْرَى فَقَالَ: وَتَقُولُ أَيْضًا سَيّدَ الْعَشِيرَةِ؟ فَقُلْت: أَنَا أَقُولُهُ؟ قُرَيْشٌ كُلّهَا تَقُولُهُ! فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَصِيحَ بِخَفْرَتِهِ، وَاكْتُشِفَ وَقَالَ: إنّ عُتْبَةَ جَاعَ فَاسْقُوهُ سَوِيقًا! وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: إنّ عُتْبَةَ جَاعَ فَاسْقُوهُ سَوِيقًا! وَجَعَلَ أَبُو جَهْلٍ يُسَرّ بِمَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِعُتْبَةَ. قَالَ حَكِيمٌ: فَجِئْت إلَى مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ مَا قُلْت لِأَبِي جَهْلٍ، فَوَجَدْته خَيْرًا مِنْ أَبِي جَهْلٍ. قَالَ: نِعْمَ مَا مَشَيْت فِيهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ عُتْبَةُ! فَرَجَعْت إلَى عُتْبَةَ فَوَجَدْته [ (٢) ] قَدْ غَضِبَ مِنْ كَلَامِ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ جَمَلِهِ، وَقَدْ طَافَ عَلَيْهِمْ فِي عَسْكَرِهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ عَنْ الْقِتَالِ، فَيَأْبَوْنَ. فَحَمِيَ، فَنَزَلَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ، وَطَلَبُوا لَهُ بَيْضَةً تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُ رَأْسَهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ. فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ [ (٣) ] ثُمّ بَرَزَ [ (٤) ] بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَبَيْنَ ابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، فَبَيْنَا أَبُو جَهْلٍ فِي الصّفّ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى، حَاذَاهُ عُتْبَةُ وَسَلّ عُتْبَةُ سَيْفَهُ، فَقِيلَ: هُوَ وَاَللهِ يَقْتُلُهُ! فَضَرَبَ بِالسّيْفِ عُرْقُوبَيْ فَرَسِ أَبِي جَهْلٍ، فَاكْتَسَعَتْ [ (٥) ] الْفَرَسُ، فَقُلْت: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ! قَالُوا: قَالَ عُتْبَةُ: انْزِلْ، فَإِنّ هَذَا اليوم ليس


[ (١) ] الخلوق: ضرب من الطيب. (القاموس المحيط، ج ٣، ص ٢٢٩) .
[ (٢) ] فى ت: «فأجده» .
[ (٣) ] الاعتجار: لف العمامة دون التلحي. (القاموس المحيط، ج ٢، ص ٨٥) .
[ (٤) ] فى ح: «ثم برز راجلا» .
[ (٥) ] اكتسعت الفرس: سقطت من ناحية مؤخرها ورمت بما عليها. (النهاية، ج ٤، ص ٢٠) .