للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاقَ بِهِ. فَلَمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ الْعَقَبَةِ نَزَلَ النّاسُ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا حُذَيْفَةُ، هَلْ عَرَفْت أَحَدًا مِنْ الرّكْبِ الّذِينَ رَدَدْتهمْ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَرَفْت رَاحِلَةَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُتَلَثّمِينَ فَلَمْ أُبْصِرْهُمْ مِنْ أَجْلِ ظُلْمَةِ اللّيْلِ.

وَكَانُوا قَدْ أَنْفَرُوا بِالنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَقَطَ. بَعْضُ مَتَاعِ رَحْلِهِ، فَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيّ يَقُولُ: فَنُوّرَ لِي فِي أَصَابِعِي الْخَمْسِ فَأُضِئْنَ حَتّى كُنّا نَجْمَعُ مَا سَقَطَ مِنْ السّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِمَا، حَتّى مَا بَقِيَ مِنْ الْمَتَاعِ شَيْءٌ إلّا جَمَعْنَاهُ. وَكَانَ لَحِقَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَقَبَةِ.

فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا مَنَعَك الْبَارِحَةَ مِنْ سُلُوكِ الْوَادِي، فَقَدْ كَانَ أَسْهَلَ مِنْ الْعَقَبَةِ؟ قَالَ: يَا أَبَا يَحْيَى، أَتَدْرِي مَا أَرَادَ الْبَارِحَةَ الْمُنَافِقُونَ وَمَا اهْتَمّوا بِهِ؟ قَالُوا: نَتْبَعُهُ فِي الْعَقَبَةِ، فَإِذَا أَظْلَمَ اللّيْلُ عَلَيْهِ قَطَعُوا أَنْسَاعَ [ (١) ] رَاحِلَتِي وَنَخَسُوهَا حَتّى يَطْرَحُونِي مِنْ رَاحِلَتِي. فَقَالَ أُسَيْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْ اجْتَمَعَ النّاسُ وَنَزَلُوا، فَمُرْ كُلّ بَطْنٍ أَنْ يَقْتُلَ الرّجُلَ الّذِي هَمّ بِهَذَا، فَيَكُونُ الرّجُلُ مِنْ عَشِيرَتِهِ هُوَ الّذِي يَقْتُلُهُ، وَإِنْ أَحْبَبْت، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ، فَنَبّئْنِي بِهِمْ، فَلَا تَبْرَحُ حَتّى آتِيَكُمْ بِرُءُوسِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا فِي النّبِيتِ [ (٢) ] فَكَفَيْتُكَهُمْ، وَأَمَرْت سَيّدَ الْخَزْرَجِ فَكَفَاك مَنْ فِي نَاحِيَتِهِ، فَإِنّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ يُتْرَكُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ حَتّى مَتَى نُدَاهِنُهُمْ وَقَدْ صَارُوا الْيَوْمَ فِي الْقِلّةِ وَالذّلّةِ، وَضَرَبَ الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ [ (٣) ] ! فما


[ (١) ] الأنساع: جمع نسعة، وهي سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره. (النهاية، ج ٤، ص ١٤٠) .
[ (٢) ] أى فى ولد النبيت، وهو عمرو بن مالك بن أوس. انظر البلاذري. (أنساب الأشراف، ج ١، ص ٢٨٧) .
[ (٣) ] أى قر قراره واستقام، كما أن البعير إذ برك واستراح مد عنقه على الأرض. (النهاية، ج ١، ص ١٥٨) .