للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَك. قُلْت: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرّبِيعِ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ الْوَاقِفِيّ. فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ فِيهِمَا أُسْوَةٌ وَقُدْوَةٌ، وَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا أَيّهَا الثّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبْنَا النّاسَ وَتَغَيّرُوا لَنَا، حَتّى تَنَكّرَتْ لِي نَفْسِي، وَالْأَرْضُ فَمَا هِيَ الْأَرْضُ الّتِي كُنْت أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. فَأَمّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا فَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَمّا أَنَا فَكُنْت أَشَدّ القوم وأجلدهم، وكنت أخرج وأشهد الصلوات مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ بِالْأَسْوَاقِ، فَلَا يُكَلّمُنِي أَحَدٌ، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصّلَاةِ، فَأُسَلّمَ عَلَيْهِ فَأَقُولَ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدّ السّلَامِ عَلَيّ أَمْ لَا، ثُمّ أُصَلّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقَهُ النّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْت عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إلَيّ، وَإِذَا الْتَفَتّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنّي، حَتّى إذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيْت حَتّى تَسَوّرْت حَائِطَ أَبِي قَتَادَةَ- وَهُوَ ابْنُ عَمّي وَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ- فسلّمت عليه، فو الله مَا رَدّ عَلَيّ السّلَامَ، فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُك اللهَ! هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْت فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أَنْشُدُك اللهَ! هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ، فَعُدْت فَنَشَدْته الثّالِثَةَ فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! فَفَاضَتْ عَيْنَايَ، فَوَثَبْت فَتَسَوّرْت الْجِدَارَ، ثُمّ غَدَوْت إلَى السّوقِ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِالسّوقِ فَإِذَا نَبَطِيّ مِنْ نَبَطِ الشّامِ مِمّنْ قَدِمَ بِالطّعَامِ يَبِيعُهُ بِالسّوقِ، يَسْأَلُ عَنّي يقول: من يدلني على كعب ابن مَالِكٍ؟ فَجَعَلَ النّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ، فَدَفَعَ إلَيّ كِتَابًا مِنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شَمِرٍ مَلِكِ غَسّانَ- أَوْ قَالَ [ (١) ] مِنْ جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ- فى سرقة [ (٢) ] من حرير،


[ (١) ] فى الأصل: «وقال» .
[ (٢) ] السرقة: الشقة من الحرير، وقال بعضهم: السرق أحسن الحرير وأجوه. (شرح أبى ذر، ص ٤٢٦) .