لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [ (١) ] ، فَنَحْنُ غُزَاتُهُمْ وَهُمْ قَعَدَتُنَا. وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَدُعَاؤُهُمْ أَنْفَذُ فِي عَدُوّنَا مِنْ سِلَاحِنَا! وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَبِيعُونَ سِلَاحَهُمْ وَيَقُولُونَ: قَدْ انْقَطَعَ الْجِهَادُ! فَجَعَلَ الْقَوِيّ مِنْهُمْ يَشْتَرِيهَا لِفَضْلِ قُوّتِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمّتِي يُجَاهِدُونَ عَلَى الْحَقّ حَتّى يَخْرُجَ الدّجّالُ!
قَالُوا: وَمَرِضَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوّالٍ، وَمَاتَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَكَانَ مَرَضُهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فِيهَا، فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي مَاتَ فِيهِ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: فد نَهَيْتُك عَنْ حُبّ الْيَهُودِ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ:
أَبْغَضَهُمْ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ فَمَا نَفَعَهُ. ثُمّ قَالَ ابْنُ أُبَيّ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيْسَ بِحِينِ عِتَابٍ! هُوَ الْمَوْتُ، فَإِنْ مُتّ فَاحْضُرْ غُسْلِي وَأَعْطِنِي قَمِيصَك أُكَفّنُ فِيهِ. فَأَعْطَاهُ الْأَعْلَى- وَكَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ- فَقَالَ: الّذِي يَلِي جِلْدَك.
فَنَزَعَ قَمِيصَهُ الّذِي يَلِي جِلْدَهُ فَأَعْطَاهُ، ثُمّ قَالَ: صَلّ عَلَيّ وَاسْتَغْفِرْ لِي! قَالَ: وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ خِلَافَ هَذَا، يَقُولُ: جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِ ابْنِ أُبَيّ إلَى قَبْرِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَكَشَفَ مِنْ وَجْهِهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَسْنَدَهُ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ- وَكَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ- وَأَلْبَسَهُ الّذِي يَلِي جِلْدَهُ. وَالْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا، أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَضَرَ غُسْلَهُ وَحَضَرَ كَفَنَهُ، ثُمّ حُمِلَ إلَى مَوْضِعِ الجنائز فَتَقَدّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلّيَ عَلَيْهِ،
فَلَمّا قَامَ وَثَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُصَلّي عَلَى ابْنِ أُبَيّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَيَوْمَ كَذَا كَذَا؟ فَعَدّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ. فَتَبَسّمَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه
[ (١) ] سورة ٩ التوبة ١٢٢
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute