للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثَةِ رُءُوسٍ، فَوَضَعْتهَا بَيْنَ يَدَيْ رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمّا رَأْسَانِ فَقَتَلْتهمَا، وَأَمّا الثّالِثُ فَإِنّي رَأَيْت رَجُلًا أَبْيَضَ طَوِيلًا ضَرَبَهُ فَتَدَهْدَى [ (١) ] أَمَامَهُ، فَأَخَذْت رَأْسَهُ. فَقَالَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: ذَاكَ فُلَانٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ.

وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ:

لَمْ تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ إلّا يَوْمَ بَدْرٍ.

فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمَلَكُ يَتَصَوّرُ فِي صُورَةِ مَنْ يَعْرِفُونَ مِنْ النّاسِ يُثَبّتُونَهُمْ، فَيَقُولُ: إنّي قَدْ دَنَوْت مِنْهُمْ فَسَمِعْتهمْ يَقُولُونَ: لَوْ حَمَلُوا عَلَيْنَا مَا ثَبَتْنَا، لَيْسُوا بِشَيْءٍ. وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ... [ (٢) ] ، إلَى آخِرِ الْآيَةِ.

فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ الْأَسَدِيّ يُحَدّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ يَقُولُ: وَاَللهِ، مَا أَسَرَنِي أَحَدٌ مِنْ النّاسِ. فَيُقَالُ: فَمَنْ؟ فَيَقُولُ: لَمّا انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ انْهَزَمْت مَعَهَا، فَيُدْرِكُنِي رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَأَوْثَقَنِي رِبَاطًا، وَجَاءَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَجَدَنِي مَرْبُوطًا، وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يُنَادِي فِي الْمُعَسْكَرِ: مَنْ أَسَرَ هَذَا؟ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنّهُ أَسَرَنِي، حَتّى انْتَهَى بِي إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ أَبِي حُبَيْشٍ، مَنْ أَسَرَك؟ فَقُلْت: لَا أَعْرِفُ. وَكَرِهْت أَنْ أُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَيْت، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أَسَرَهُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ كَرِيمٌ، اذْهَبْ يَا ابْنَ عَوْفٍ بِأَسِيرِك!

فَذَهَبَ بِي عَبْدُ الرحمن.


[ (١) ] تدهدى: تدحرج. (النهاية، ج ٢، ص ٣٧) .
[ (٢) ] سورة ٨ الأنفال ١٢