للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَحَسَدَهُ وَبَغَى فَقَالَ:

قَدْ عِشْت حِينًا وَمَا إنْ أَرَى ... مِنْ النّاسِ دَارًا وَلَا مَجْمَعَا

أَجَمّ [ (١) ] عُقُولًا وَآتَى إلَى ... مُنِيبٍ [ (٢) ] سِرَاعًا إذَا مَا دَعَا

فَسَلّبَهُمْ أَمْرَهُمْ رَاكِبٌ ... حَرَامًا حَلَالًا لِشَتّى مَعَا

فَلَوْ كَانَ بِالْمُلْكِ صَدّقْتُمُ ... وَبِالنّصْرِ تَابَعْتُمُ تُبّعَا

فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ مِنْ بَنِي النّجّارِ: عَلَيّ نَذْرٌ أَنْ أَقْتُلَ أَبَا عَفَكٍ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ. فَأَمْهَلَ فَطَلَبَ لَهُ غِرّةً، حَتّى كَانَتْ لَيْلَةٌ صَائِفَةٌ، فَنَامَ أَبُو عَفَكٍ بِالْفِنَاءِ فِي الصّيْفِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقْبَلَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَوَضَعَ السّيْفَ عَلَى كَبِدِهِ حَتّى خَشّ فِي الْفِرَاشِ، وَصَاحَ عَدُوّ اللهِ فَثَابَ إلَيْهِ أُنَاسٌ مِمّنْ هُمْ عَلَى قَوْلِهِ، فَأَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ وَقَبَرُوهُ. وَقَالُوا: مَنْ قَتَلَهُ؟ وَاَللهِ لَوْ نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ لَقَتَلْنَاهُ بِهِ! فَقَالَتْ النّهْدِيّةُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً، هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:

تُكَذّبُ [ (٣) ] دِينَ اللهِ وَالْمَرْءَ أَحْمَدَا ... لَعَمْرُ الّذِي أَمْنَاكَ [ (٤) ] إذْ بِئْسَ مَا يُمْنَى

حَبَاك حَنِيفٌ آخِرَ اللّيل طعنة ... أبا عفك خذها على كبر السّنّ

فإنى وإن أعلم بقاتلك الّذي أ ... باتك حِلْسَ اللّيْلِ مِنْ إنْسٍ اوْ جِنّي

فَحَدّثَنِي مَعْنُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ رُقَيْشٍ قَالَ: قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ فِي شَوّالٍ عَلَى رأس عشرين شهرا.


[ (١) ] أجم عقولا: أكثر عقولا. (الصحاح، ص ١٨٨٩) .
[ (٢) ] فى ت: «مثبت» .
[ (٣) ] فى ب، ت: «يكذب» .
[ (٤) ] فى الأصل، ث: «لعمري والذي أمناك» ، وما أثبتناه عن سائر النسخ، وعن ابن إسحاق.
(السيرة النبوية، ج ٤، ص ٢٨٥) . وأمناك: أنساك. (شرح أبى ذر، ص ٤٥٨) .