للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [ (١) ] . وَفِيهِمْ أَنَزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ... [ (٢) ] الْآيَةَ.

فَلَمّا أَبَى ابْنُ الْأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْهُمْ، فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ مِنْ بَدْرٍ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ، فَرَأَى الْأَسْرَى مُقَرّنِينَ [ (٣) ] ، كُبّتْ وَذَلّ، ثُمّ قَالَ لِقَوْمِهِ: وَيْلَكُمْ، وَاَللهِ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا الْيَوْمَ! هَؤُلَاءِ سَرَاةُ النّاسِ قَدْ قُتِلُوا وَأُسِرُوا، فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: عَدَاوَتُهُ مَا حَيِينَا.

قَالَ: وَمَا أَنْتُمْ وَقَدْ وَطِئَ قَوْمَهُ وَأَصَابَهُمْ؟ وَلَكِنّي أَخْرُجُ إلَى قُرَيْشٍ فَأَحُضّهُمْ وَأَبْكِي قَتْلَاهُمْ، فَلَعَلّهُمْ يَنْتَدِبُونَ فَأَخْرُجَ مَعَهُمْ. فَخَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ وَوَضَعَ رَحْلَهُ عِنْدَ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ السّهْمِيّ، وَتَحْتَهُ عَاتِكَةُ بنت أسيد ابن أبى العيص، فجعل يرثى قريشا ويقول:

طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ [ (٤) ]

قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ ... لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ

وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أذل بسخطهم [ (٥) ] ... إن ابن أشرف ظل كعبا يَجْزَعُ

صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا ... ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا [ (٦) ] وَتُصَدّعُ

كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهَا مِنَ ابْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضّيّع [ (٧) ]


[ (١) ] سورة ٣ آل عمران ١٨٦.
[ (٢) ] سورة ٢ البقرة ١٠٩.
[ (٣) ] قرن الشيء بالشيء: شده إليه، وقرنت الأسارى بالحبال شدد للكثرة. (لسان العرب، ج ١٣، ص ٣٣٥) .
[ (٤) ] فى ح: «يستهل ويدمع» .
[ (٥) ] فى ح: «بعزهم» .
[ (٦) ] ساخت الأرض بهم: انخسفت. (القاموس المحيط، ج ١، ص ٢٦٢) .
[ (٧) ] الضيع: جمع الضائع وهو الجائع. (لسان العرب، ج ٨، ص ٢٣٢) .