فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: حَدَثَتْ لَنَا حَاجَةٌ إلَيْك. قَالَ. وَهُوَ فِي نَادِي قَوْمِهِ وَجَمَاعَتِهِمْ:
اُدْنُ إلَيّ فَخَبّرْنِي بِحَاجَتِك. وَهُوَ مُتَغَيّرُ اللّوْنِ مَرْعُوبٌ- فكان أبو نائلة ومحمّد ابن مَسْلَمَةَ أَخَوَيْهِ مِنْ الرّضَاعَةِ- فَتَحَدّثَا سَاعَةً وَتَنَاشَدَا الْأَشْعَارَ، وَانْبَسَطَ كَعْبٌ وَهُوَ يَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: حَاجَتُك! وَأَبُو نَائِلَةَ يُنَاشِدُهُ الشّعْرَ- وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ- فَقَالَ كَعْبٌ: حَاجَتُك، لَعَلّك أَنْ تُحِبّ أَنْ يَقُومَ مَنْ عِنْدَنَا؟ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ قَامُوا. قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: إنّي كَرِهْت أَنْ يَسْمَعَ الْقَوْمُ ذَرْوَ [ (١) ] كَلَامِنَا، فَيَظُنّونَ! كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا مِنْ الْبَلَاءِ، وَحَارَبَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، وَتَقَطّعَتْ السّبُلُ عَنّا حَتّى جَهِدَتْ الْأَنْفُسُ وَضَاعَ الْعِيَالُ، أَخَذَنَا بِالصّدَقَةِ وَلَا نَجِدُ مَا نَأْكُلُ.
فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ وَاَللهِ كُنْت أُحَدّثُك بِهَذَا يَا ابْنَ سَلَامَةَ، أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: وَمَعِي رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَنَبْتَاعَ مِنْك طَعَامًا أَوْ تَمْرًا وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ إلَيْنَا، وَنَرْهَنُك مَا يَكُونُ لَك فِيهِ ثِقَةٌ. قَالَ كَعْبٌ: أَمَا إنّ رِفَافِي تَقْصِفُ تَمْرًا، مِنْ عَجْوَةٍ تَغِيبُ فِيهَا الضّرْسُ، أَمَا وَاَللهِ مَا كُنْت أُحِبّ يَا أَبَا نائلة أن أرى هذه الخصاصة بك، وَإِنْ كُنْت مِنْ أَكْرَمِ النّاسِ عَلَيّ، أَنْتَ أَخِي، نَازَعْتُك الثّدْيَ! قَالَ سِلْكَانُ: اُكْتُمْ عَنّا مَا حَدّثْتُك مِنْ ذِكْرِ مُحَمّدٍ. قَالَ كَعْبٌ:
لَا أَذْكُرُ مِنْهُ حَرْفًا. ثُمّ قَالَ كَعْبٌ: يَا أَبَا نَائِلَةَ، اُصْدُقْنِي ذَاتَ نَفْسِك، مَا الّذِي تُرِيدُونَ فِي أَمْرِهِ؟ قَالَ: خِذْلَانَهُ وَالتّنَحّيَ عَنْهُ. قَالَ: سَرَرْتنِي يَا أَبَا نَائِلَةَ! فَمَاذَا تَرْهَنُونَنِي، أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تَفْضَحَنَا وَتُظْهِرَ أَمْرَنَا! وَلَكِنّا نَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا تَرْضَى بِهِ. قَالَ كَعْبٌ:
إنّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً. وَإِنّمَا يَقُولُ ذَلِكَ سِلْكَانُ لِئَلّا ينكرهم إذا جاءوا بالسلاح.
[ (١) ] ذرو القول: طرفه. (أساس البلاغة، ص ٢٩٧) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute