للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعث إليه بعكّة [ (١) ] عسل فَلَمْ يَزَلْ يَلْعَقُهَا حَتّى بَرِئَ. فَكَانَ أَبُو بَرَاءٍ يَوْمَئِذٍ سَائِرًا فِي قَوْمِهِ يُرِيدُ أَرْضَ بَلِيّ، فَمَرّ بِالْعِيصِ فَبَعَثَ ابْنَهُ رَبِيعَةَ مَعَ لَبِيدٍ يَحْمِلَانِ طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِيعَةَ: مَا فَعَلَتْ ذِمّةُ أَبِيك؟ قَالَ رَبِيعَةُ: نَقَضَتْهَا ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ أَوْ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ. فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي بَرَاءٍ فَخَبّرَ أَبَاهُ، فَشَقّ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ وَمَا صَنَعَ بِأَصْحَابِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا حَرَكَةَ بِهِ مِنْ الْكِبَرِ وَالضّعْفِ، فَقَالَ: أَخْفِرنِي ابْنَ أَخِي مِنْ بَيْنِ بَنِي عَامِرٍ. وَسَارَ حَتّى كَانُوا عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَلِيّ يُقَالُ لَهُ الْهَدْمُ [ (٢) ] ، فَيَرْكَبُ رَبِيعَةُ فَرَسًا لَهُ وَيَلْحَقُ عَامِرًا وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَأَخْطَأَ مَقَاتِلَهُ.

وَتَصَايَحَ النّاسُ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: إنّهَا لَمْ تَضُرّنِي! إنّهَا لَمْ تَضُرّنِي! وَقَالَ: قَضَيْت ذِمّةَ أَبِي بَرَاءٍ. وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ: قَدْ عَفَوْت عَنْ عَمّي، هَذَا فِعْلَهُ! وَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمّ، اهْدِ بَنِي عَامِرٍ وَاطْلُبْ خُفْرَتِي [ (٣) ] مِنْ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ.

وَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ حَتّى قَدِمَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَارَ عَلَى رِجْلَيْهِ أَرْبَعًا، فَلَمّا كَانَ بِصُدُورِ قَنَاةٍ [ (٤) ] لَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي كِلَابٍ، قَدْ كَانَا قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَسَاهُمَا، وَلَهُمَا مِنْهُ أَمَانٌ.

وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ عَمْرٌو، فَقَايَلَهُمَا فَلَمّا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا لِلّذِي أَصَابَتْ بَنُو عَامِرٍ مِنْ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ. ثُمّ قَدِمَ عَلَى النّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلّم


[ (١) ] العكة: وعاء من جلود مستدير يختص بالسمن والعسل. (النهاية، ج ٣، ص ١٢٠) .
[ (٢) ] الهدم وراء وادي القرى. (معجم البلدان، ج ٨، ص ٤٤٩) .
[ (٣) ] الحفرة: الذمة. (النهاية، ج ١، ص ٣٤١) .
[ (٤) ] فى الأصل: «مياة» . وقناة: أحد أودية المدينة. (وفاء الوفا، ج ٢، ص ٣٦٣) .