للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِالتّوْرَاةِ الّتِي أَنَزَلَ اللهُ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّي جِئْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَكُمْ التّوْرَاةُ، فَقُلْتُمْ لِي فِي مَجْلِسِكُمْ هَذَا: يَا ابْنَ مَسْلَمَةَ، إنْ شِئْت أَنْ نُغَدّيَك غَدّيْنَاك، وَإِنْ شِئْت أَنّ نُهَوّدَك هَوّدْنَاك. فَقُلْت لَكُمْ: غَدّونِي وَلَا تُهَوّدُونِي، فَإِنّي وَاَللهِ لَا أَتَهَوّدُ أَبَدًا! فَغَدّيْتُمُونِي فِي صَحْفَةٍ لَكُمْ، وَاَللهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهَا كَأَنّهَا جَزْعَةٌ [ (١) ] ، فَقُلْتُمْ لِي:

مَا يَمْنَعُك مِنْ دِينِنَا إلّا أَنّهُ دِينُ يَهُودَ. كَأَنّك تُرِيدُ الْحَنِيفِيّةَ الّتِي سَمِعْت بِهَا، أَمَا إنّ أَبَا عَامِرٍ قَدْ سَخِطَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا، أَتَاكُمْ صَاحِبُهَا الضّحُوكُ الْقَتّالُ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، يَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ، يَرْكَبُ الْبَعِيرَ وَيَلْبَسُ الشّمْلَةَ، وَيَجْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، لَيْسَتْ مَعَهُ آيَةٌ، هُوَ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ، كَأَنّهُ وَشِيجَتُكُمْ [ (٢) ] هَذِهِ، وَاَللهِ لَيَكُونَنّ بِقَرْيَتِكُمْ هَذِهِ سَلَبٌ وَقَتْلٌ وَمَثْلٌ! قَالُوا: اللهُمّ نَعَمْ، قَدْ قُلْنَاهُ لَك وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ. قَالَ: قَدْ فَرَغْت،

إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ: قَدْ نَقَضْتُمْ الْعَهْدَ الّذِي جَعَلْت لَكُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ بِي! وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانُوا ارْتَأَوْا مِنْ الرّأْيِ وَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ جَحّاشٍ عَلَى الْبَيْتِ يَطْرَحُ الصّخْرَةَ، فَأَسْكَتُوا فَلَمْ يَقُولُوا حَرْفًا. وَيَقُولُ: اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي، فَقَدْ أَجّلْتُكُمْ عَشْرًا فَمَنْ رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْت عُنُقَهُ!

قَالُوا: يَا مُحَمّدُ، مَا كُنّا نَرَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا رَجُلٌ عن الْأَوْسِ. قَالَ مُحَمّدٌ: تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ. فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيّامًا يَتَجَهّزُونَ وَأَرْسَلُوا إلَى ظَهْرٍ لَهُمْ بذي المجدر [ (٣) ] تجلب، وتكاروا من ناس من أشجع


[ (١) ] الجزعة: الحرزة. (القاموس المحيط، ج ٣، ص ١٣) .
[ (٢) ] كلمة غامضة شكلها فى الأصل: «وسيحيكم» ، وفى ب، ت: «وسيختكم» .
ولعل ما أثبتناه أقرب الاحتمالات، والوشيجة: الرحم المشتبكة (تاج العروس، ج ٢، ص ١١١) . ولعل أراد بها جماعة اليهود المتواشجة أو أصلها. قال زهير بن أبى سلمى: وهل ينبت الخطى إلا وشيجه* وتغرس إلا فى منابتها النخل.
(ديوانه، ص ١١٥) .
[ (٣) ] فى ت: «بذي الحدر» ، وما أثبتناه من سائر النسخ، وهو مسرح على ستة أميال من المدينة بناحية قباء كما قال السمهودي. (وفاء الوفا، ج ٢، ص ٢٧٩) .