للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالُوا: أَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْنُوَ إلَى أَدْنَى الشّامِ، وَقِيلَ لَهُ إنّهَا طَرَفٌ مِنْ أَفْوَاهِ الشّامِ، فَلَوْ دَنَوْت لَهَا كَانَ ذَلِكَ مِمّا يُفْزِعُ قَيْصَرَ. وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ أَنّ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كَثِيرًا، وَأَنّهُمْ يَظْلِمُونَ مَنْ مَرّ بِهِمْ مِنْ الضّافِطَةِ [ (١) ] ، وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ وَتُجّارٌ، وَضَوَى إلَيْهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ كَثِيرٌ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنْ الْمَدِينَةِ. فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النّاسَ، فَخَرَجَ فِي ألف من المسلمين، فكان يسير الليل ويمكن النّهَارَ، وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ مَذْكُورٌ، هَادٍ خِرّيتٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغِذّا لِلسّيْرِ، وَنَكَبَ عَنْ طَرِيقِهِمْ،

وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ- وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمٌ أَوْ لَيْلَةٌ سَيْرَ الرّاكِبِ الْمُعْتِقِ [ (٢) ]- قَالَ لَهُ الدّلِيلُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ سَوَائِمَهُمْ تَرْعَى فَأَقِمْ لِي حَتّى أَطّلِعَ لَك. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ.

فَخَرَجَ الْعُذْرِيّ طَلِيعَةً حَتّى وَجَدَ آثَارَ النّعَمِ وَالشّاءِ وَهُمْ مُغَرّبُونَ، ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ وَقَدْ عَرَفَ مَوَاضِعَهُمْ، فَسَارَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتّى هَجَمَ عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَرِعَائِهِمْ، فَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصَابَ، وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ فِي كُلّ وَجْهٍ. وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَتَفَرّقُوا، وَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَاحَتِهِمْ، فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا، فَأَقَامَ بِهَا أَيّامًا وَبَثّ السّرَايَا وَفَرّقَهَا حَتّى غَابُوا عَنْهُ يَوْمًا ثُمّ رَجَعُوا إلَيْهِ، وَلَمْ يُصَادِفُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَتَرْجِعُ السّرِيّةُ بِالْقِطْعَةِ مِنْ الْإِبِلِ،


[ (١) ] الضافطة: جمع ضافط، وهو الذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن، والمكاري الذي يكرى الأحمال وكانوا يومئذ قوما من الأنباط يحملون إلى المدينة الدقيق والزيت. (النهاية، ج ٣، ص ٢٢) .
[ (٢) ] أعتق الراكب فرسه إذا أعجلها. (القاموس المحيط، ج ٣، ص ٢٦٢) .