للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنّهُ قَدْ أُتِيَ بِنَاقَتِهِ، وَإِنّي قَدْ كُنْت فِي شَكّ مِنْ شَأْنِ مُحَمّدٍ فَأَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللهِ، وَاَللهِ لَكَأَنّي لَمْ أُسْلِمْ إلّا الْيَوْمَ. قَالُوا لَهُ: فَاذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللهِ يَسْتَغْفِرْ لَك. فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ وَاعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ. وَيُقَالُ إنّهُ لَمْ يَزَلْ فَسْلًا [ (١) ] حَتّى مَاتَ، وَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ.

وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شَدّادٍ، قَالَ: لَمّا مَرّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنّقِيعِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ الْمُرَيْسِيعِ وَرَأَى سَعَةً، وَكَلَأً، وَغُدُرًا [ (٢) ] كَثِيرَةً تَتَنَاخَسُ [ (٣) ] ، وَخُبّرَ بِمَرَاءَتِهِ وَبَرَاءَتِهِ [ (٤) ] ، فَسَأَلَ عَنْ الْمَاءِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إذَا صِفْنَا قُلْت الْمِيَاهُ وَذَهَبَتْ الْغُدُرُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا، وَأَمَرَ بِالنّقِيعِ أَنْ يُحْمَى، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ، فَقَالَ بِلَالٌ:

يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَمْ أَحَمْي مِنْهُ؟ قَالَ: أَقِمْ رَجُلًا صَيّتًا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ- يَعْنِي مُقْمِلًا- فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ فَاحْمِهِ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ وَإِبِلِهِمْ الّتِي يَغْزُونَ عَلَيْهَا. قَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْت مَا كَانَ مِنْ سَوَائِمِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: لَا يَدْخُلُهَا. قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ وَالرّجُلَ الضّعِيفَ تَكُونُ لَهُ الْمَاشِيَةُ الْيَسِيرَةُ وَهُوَ يَضْعُفُ عَنْ التّحَوّلِ؟ قَالَ:

دَعْهُ يَرْعَى.

فَلَمّا كَانَ زَمَانُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حماه على ما كان رسول


[ (١) ] الفسل: الرديء الرذل من كل شيء. (النهاية، ج ٣، ص ٢٠١) .
[ (٢) ] الغدر: جمع الغدير، وهو القطعة من الماء يغادرها السيل. (لسان العرب، ج ٦، ص ٣١٢) .
[ (٣) ] تتناخس: أى يصب بعضها فى بعض. (على هامش نسخة ب) .
[ (٤) ] كلمتان رسمهما فى الأصل هكذا: «بمراته وبراته» ، وفى ب: «بمراته ومدامه» ، ولعل ما أثبتناه أقرب الاحتمالات. ومرأت الأرض مراءة أى حسن هواؤها، وكلأ مريء غير وخيم. (القاموس المحيط، ج ١، ص ٢٨) . وبراءة مصدر من برئ بمعنى خلا، أى لا صاحب له. (لسان العرب، ج ١، ص ٢٤) .