للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِنُحَالِفَكُمْ عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ وَقِتَالِهِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا، أَحَبّ النّاسِ إلَيْنَا مَنْ أَعَانَنَا عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ. قَالَ النّفَرُ: فَأَخْرَجَ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ كُلّهَا أَنْتَ فِيهِمْ، وَنَدْخُلُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتّى نُلْصِقَ أَكْبَادَنَا بِهَا، ثُمّ نَحْلِفُ بِاَللهِ جَمِيعًا لَا يَخْذُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَلَتَكُونَن كَلِمَتُنَا وَاحِدَةً عَلَى هَذَا الرّجُلِ مَا بَقِيَ مِنّا رَجُلٌ.

فَفَعَلُوا فَتَحَالَفُوا عَلَى ذَلِكَ وَتَعَاقَدُوا، ثُمّ قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ: قَدْ جَاءَكُمْ رُؤَسَاءُ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ الْأُوَلِ، فَسَلُوهُمْ عَمّا نَحْنُ عَلَيْهِ وَمُحَمّدٌ، أَيّنَا أَهْدَى؟ قَالَتْ قُرَيْشٌ: نَعَمْ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:

يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأُوَلِ وَالْعِلْمِ، أَخْبِرُونَا عَمّا أَصْبَحْنَا نَحْنُ فِيهِ وَمُحَمّدٌ، دِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمّدٍ؟ فَنَحْنُ عُمّارُ الْبَيْتِ، وَنَنْحَرُ الْكَوْمَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ، وَنَعْبُدُ الْأَصْنَامَ. قَالُوا: اللهُمّ، أَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ مِنْهُ، إنّكُمْ لَتُعَظّمُونَ هَذَا الْبَيْتَ، وَتَقُومُونَ عَلَى السّقَايَةِ، وَتَنْحَرُونَ الْبُدْنَ، وَتَعْبُدُونَ مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُكُمْ، فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ مِنْهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا [ (١) ] .

فَاتّعَدُوا لِوَقْتٍ وَقّتُوهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّكُمْ قَدْ وَعَدْتُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لِهَذَا الْوَقْتِ وَفَارَقُوكُمْ عَلَيْهِ، فَفُوا لَهُمْ بِهِ! لَا يَكُونُ هَذَا كَمَا كَانَ، وَعَدْنَا مُحَمّدًا بَدْرَ الصّفْرَاءِ فَلَمْ نَفِ بِمَوْعِدِهِ، وَاجْتَرَأَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ، وَقَدْ كُنْت كَارِهًا لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ. فَخَرَجَتْ الْيَهُودُ حَتّى أَتَتْ غَطَفَانَ، وَأَخَذَتْ قُرَيْشٌ فِي الْجَهَازِ، وَسَيّرَتْ فِي الْعَرَبِ تَدْعُوهُمْ إلَى نَصْرِهَا، وَأَلّبُوا أَحَابِيشَهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ. ثُمّ خَرَجْت اليهود حتى جاءوا بنى سليم،


[ (١) ] سورة ٤ النساء ٥١.