للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا الْعَصْرِ وَلَا الْمَغْرِبِ وَلَا الْعِشَاءِ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا صَلّيْنَا! فَيَقُولُ: وَلَا أَنَا وَاَللهِ مَا صَلّيْت!

حَتّى كَشَفَهُمْ اللهُ تَعَالَى فَرَجَعُوا مُتَفَرّقِينَ. فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إلَى مَنْزِلِهَا، وَرَجَعَتْ غَطَفَانُ إلَى مَنْزِلِهَا، وَانْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قُبّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ عَلَى الْخَنْدَقِ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ عَلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ إذْ كَرّتْ خَيْلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يطلبون غرّة، عليهم خالد بن الوليد، فناوشوهم سَاعَةً وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ وَحْشِيّ، فَزَرَقَ الطّفَيْلَ بْنَ النّعْمَانِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِمِزْرَاقِهِ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ يَقُولُ: أَكْرَمَ اللهُ تَعَالَى حَمْزَةَ وَالطّفَيْلَ بِحَرْبَتِي وَلَمْ يُهِنّي بِأَيْدِيهِمَا. فَلَمّا صَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَوْضِعِ قُبّتِهِ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذّنَ. وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: أَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذّنَ وَأَقَامَ لِلظّهْرِ، وَأَقَامَ بَعْدُ لِكُلّ صَلَاةٍ إقَامَةً إقَامَةً.

وَقَدْ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ- وَهُوَ أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ عِنْدَنَا- قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمَقْبُرِيّ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَلَسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيّ مِنْ اللّيْلِ حَتّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزّ وَجَلّ: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [ (١) ] .

فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَمَرَهُ، فَأَقَامَ صَلَاةَ الظّهْرِ فَصَلّاهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِي وَقْتِهَا. ثُمّ أَقَامَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَصَلّاهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلّاهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلّاهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِي وَقْتِهَا. قَالَ:

وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ: فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [ (٢) ] .


[ (١) ] سورة ٣٣ الأحزاب ٢٥.
[ (٢) ] سورة ٢ البقرة ٢٣٩.