للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَا رَسُولَ اللهِ أَقُولُ فَأَذِنَ لِي. قَالَ: قُلْ مَا بَدَا لَك فَأَنْتَ فِي حِلّ.

قَالَ:

فَذَهَبْت حَتّى جِئْت بَنِي قُرَيْظَةَ، فَلَمّا رَأَوْنِي رَحّبُوا وَأَكْرَمُوا وَحَيّوْا وَعَرَضُوا عَلَيّ الطّعَامَ وَالشّرَابَ، فَقُلْت: إنّي لَمْ آتِ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا، إنّمَا جِئْتُكُمْ نَصَبًا بِأَمْرِكُمْ، وَتَخَوّفًا عَلَيْكُمْ، لِأُشِيرَ عَلَيْكُمْ بِرَأْيٍ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي إيّاكُمْ وَخَاصّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. فَقَالُوا: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ وَأَنْتَ عِنْدَنَا عَلَى مَا تُحِبّ مِنْ الصّدْقِ وَالْبِرّ. قَالَ: فَاكْتُمُوا عَنّي. قَالُوا: نَفْعَلُ. قَالَ: إنّ أَمْرَ هَذَا الرّجُلُ بَلَاءٌ- يَعْنِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ بِبَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النّضِيرِ، وَأَجْلَاهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ بَعْدَ قَبْضِ الْأَمْوَالِ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَدْ سَارَ فِينَا فَاجْتَمَعْنَا مَعَهُ لِنَصْرِكُمْ، وَأَرَى الْأَمْرَ قَدْ تَطَاوَلَ كَمَا تَرَوْنَ، وَإِنّكُمْ وَاَللهِ، مَا أَنْتُمْ وَقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ مِنْ مُحَمّدٍ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، أَمّا قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ فَهُمْ قَوْمٌ جَاءُوا سَيّارَةً حَتّى نَزَلُوا حَيْثُ رَأَيْتُمْ، فَإِنْ وَجَدُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ، أَوْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ.

وَأَنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ، وَقَدْ غَلُظَ عَلَيْهِمْ جَانِبُ مُحَمّدٍ، أَجَلَبُوا عَلَيْهِ أَمْسِ إلَى اللّيْلِ، فَقَتَلَ رَأْسَهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ، وَهَرَبُوا مِنْهُ [ (١) ] ، مُجَرّحِينَ وَهُمْ لَا غَنَاءَ [ (٢) ] بِهِمْ عَنْكُمْ، لِمَا تَعْرِفُونَ عِنْدَكُمْ. فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ قُرَيْشٍ وَلَا غَطَفَانَ حَتّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ تَسْتَوْثِقُونَ بِهِ مِنْهُمْ أَلّا يُنَاجِزُوا مُحَمّدًا. قَالُوا: أَشَرْت بِالرّأْيِ عَلَيْنَا وَالنّصْحِ. وَدَعَوْا لَهُ وَتَشَكّرُوا، وَقَالُوا: نَحْنُ فَاعِلُونَ. قَالَ:

وَلَكِنْ اُكْتُمُوا عَنّي. قَالُوا: نَعَمْ، نَفْعَلُ. ثُمّ خَرَجَ إلَى أَبِي سفيان بن حرب في رجال من قريش فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، قَدْ جِئْتُك بِنَصِيحَةٍ فَاكْتُمْ عَنّي. قَالَ: أَفْعَلُ. قَالَ: تَعْلَمُ أَنّ قُرَيْظَةَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بينهم


[ (١) ] فى ب: «هربوا منه هربا» .
[ (٢) ] فى ب: «لا عناء بهم» .