للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُكْمَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَرَجَتْ الْأَوْسُ حَتّى جَاءُوهُ، فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ بِشَنَذَةٍ [ (١) ] مِنْ لِيفٍ، وَعَلَى الْحِمَارِ قَطِيفَةٌ فَوْقَ الشّنَذَةِ وَخِطَامُهُ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ. فَخَرَجُوا حَوْلَهُ يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، إنّ رَسُولَ اللهِ قَدْ وَلّاك أَمْرَ مَوَالِيك لِتُحْسِنَ فِيهِمْ فَأَحْسِنْ، فَقَدْ رَأَيْت ابْنَ أُبَيّ وَمَا صَنَعَ فِي حُلَفَائِهِ. وَالضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ يَقُولُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، مَوَالِيَك، مَوَالِيَك! قَدْ مَنَعُوك فِي الْمَوَاطِنِ كُلّهَا، وَاخْتَارُوك عَلَى مَنْ سِوَاك وَرَجَوْا عِيَاذَك [ (٢) ] ، وَلَهُمْ جِمَالٌ وَعِدَدٌ. وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيك وَحُلَفَائِك، إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ الْبَقِيّةَ! نَصَرُوك يَوْمَ الْبُعَاثِ وَالْحَدَائِقِ وَالْمَوَاطِنِ، وَلَا تَكُنْ شَرّا مِنْ ابْنِ أُبَيّ.

قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ: وَجَعَلَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، وَإِنّا وَاَللهِ قَاتَلْنَا بِهِمْ فَقَتَلْنَا، وَعَازَزْنَا بِهِمْ فَعَزَزْنَا! قَالُوا: وَسَعْدٌ لَا يَتَكَلّمُ، حَتّى إذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ سَعْدٌ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَلّا تَأْخُذَهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ.

فقال الضّحّاك بن خليفة: وا قوماه! ثُمّ رَجَعَ الضّحّاكُ إلَى الْأَوْسِ فَنَعَى لَهُمْ بنى قريظة. وقال معتّب بن قشير: وا سوء صَبَاحَاهُ! وَقَالَ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ الظّفَرِيّ: ذَهَبَ قَوْمِي آخِرَ الدّهْرِ.

وَأَقْبَلَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنّاسُ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ، فَلَمّا طَلَعَ سَعْدٌ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ. فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَقُولُونَ: فَقُمْنَا لَهُ عَلَى أَرْجُلِنَا صَفّيْنِ، يُحَيّيهِ كُلّ رَجُلٍ مِنّا، حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: إنّمَا عَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «قُومُوا إلَى سَيّدِكُم» يَعْنِي بِهِ الْأَنْصَارَ دُونَ


[ (١) ] فى الأصل: «بسند» ، وما أثبتناه هو قراءة ب. والشنذة: شبه إكاف يجعل لمقدمته حنو.
(النهاية، ج ٢، ص ٢٣٨) .
[ (٢) ] فى ب: «عائذيك» .