للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [ (١) ] ولكن: اذهب أنت وربُّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ. وَاَللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ سِرْت إلَى بَرْكِ الْغِمَادِ [ (٢) ] لَسِرْنَا مَعَك مَا بَقِيَ مِنّا رَجُلٌ. وَتَكَلّمَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَرَى أَنْ نَصْمُدَ لِمَا خَرَجْنَا لَهُ، فَمَنْ صَدّنَا قَاتَلْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّا لَمْ نَخْرُجْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، إنّمَا خَرَجْنَا عُمّارًا.

وَلَقِيَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، لَقَدْ اغْتَرَرْت بِقِتَالِ قَوْمِك جَلَابِيبِ [ (٣) ] الْعَرَبِ، وَاَللهِ مَا أَرَى مَعَك أَحَدًا لَهُ وَجْهٌ، مَعَ أَنّي أَرَاكُمْ قَوْمًا لَا سِلَاحَ مَعَكُمْ! قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: عَضَضْتَ بَظْرَ اللّاتِ! قَالَ بُدَيْلٌ: أَمَا وَاَللهِ لَوْلَا يد لك عندي لأجبتك، فو الله مَا أُتّهَمُ أَنَا وَلَا قَوْمِي أَلّا أَكُونَ أُحِبّ أَنْ يَظْهَرَ مُحَمّدٌ! إنّي رَأَيْت قُرَيْشًا مُقَاتِلَتَك عَنْ ذَرَارِيّهَا وَأَمْوَالِهَا، قَدْ خَرَجُوا إلَى بَلْدَحٍ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ، مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَرَادَفُوا [ (٤) ] عَلَى الطّعَامِ، يُطْعِمُونَ الْجُزُرَ مَنْ جَاءَهُمْ، يَتَقَوّوْنَ بِهِمْ عَلَى حَرْبِكُمْ، فَرَ رَأْيَك! حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قَمّادِينَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ:

كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ تَوَافَدُوا وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ يُطْعِمُونَ بِهَا مَنْ ضَوَى إلَيْهِمْ مِنْ الْأَحَابِيشِ، فَكَانَ يُطْعِمُ فِي أَرْبَعَةِ أَمْكِنَةٍ: فى دار النّدوة لجماعتهم،


[ (١) ] سورة المائدة: ٢٤.
[ (٢) ] برك الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر. (معجم البلدان، ج ٢، ص ١٤٩) .
[ (٣) ] فى الأصل: «جلابت» . والجلابيب: جمع جلباب، وهو الإزار والرداء.
(النهاية، ج ١، ص ١٧٠) . والجلابيب: لقب كان المشركون فى مكة يلقبون به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. (شرح أبى ذر، ص ٣٣٣) .
[ (٤) ] أى يتبع بعضهم بعضا. (القاموس المحيط، ج ٣، ص ١٤٤) .