للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: مَنْ قَاتَلَك لَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيٍ ذَوِي رَأْيِنَا وَلَا ذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا، بَلْ كُنّا لَهُ كَارِهِينَ حِينَ بَلَغَنَا وَلَمْ نَعْلَمْ بِهِ، وَكَانَ مِنْ سُفَهَائِنَا! فَابْعَثْ إلَيْنَا بِأَصْحَابِنَا الّذِينَ أَسَرْت أَوّلَ مَرّةٍ وَاَلّذِينَ أَسَرْت آخِرَ مَرّةٍ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنّي غَيْرُ مُرْسِلِهِمْ حَتّى تُرْسِلَ أَصْحَابِي.

قَالَ سُهَيْلٌ:

أَنْصَفْتنَا! فَبَعَثَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص إلَى قُرَيْشٍ الشّتِيمَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ التّيْمِيّ: إنّكُمْ حَبَسْتُمْ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ، لَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَقَدْ كُنّا لِذَلِكَ كَارِهِينَ! وَقَدْ أَبَى مُحَمّدٌ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ أُسِرَ مِنْ أَصْحَابِكُمْ حَتّى تُرْسِلُوا أَصْحَابَهُ، وَقَدْ أَنْصَفَنَا، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّ مُحَمّدًا يَطْلِقُ لَكُمْ أَصْحَابَكُمْ. فَبَعَثُوا إلَيْهِ بِمَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ، وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُمْ الّذِينَ أُسِرُوا أَوّلَ مَرّةٍ وَآخِرَ مَرّةٍ، فَكَانَ فِيمَنْ أُسِرَ أَوّلَ مَرّةٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النّاسَ يَوْمئِذٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، وَقَدْ كَانَ مِمّا صَنَعَ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى: إنّ رُوحَ الْقُدُسِ قَدْ نَزَلَ عَلَى الرّسُولِ وَأَمَرَ بِالْبَيْعَةِ، فَأَخْرِجُوا عَلَى اسْمِ اللهِ فَبَايِعُوا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَخَرَجْت مَعَ أَبِي وَهُوَ يُنَادِي لِلْبَيْعَةِ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ النّدَاءِ أَرْسَلَنِي أَبِي إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَهُ أَنّي قَدْ أَذّنْت النّاسَ. قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأَرْجِعُ فَأَجِدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النّاسَ، فَبَايَعْته الثّانِيَةَ. قَالَ عَبْدُ الله لِعُمَرَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ فَرَجَعَ، وَكَانَ يَمْسِكُ بِيَدِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُبَايِعُ. فَلَمّا نَظَرَتْ قُرَيْشٌ- سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وحويطب ابن عَبْدِ الْعُزّى وَمَنْ كَانَ مَعَهُ، وَعُيُونُ قُرَيْشٍ- إلَى مَا رَأَتْ مِنْ سُرْعَةِ النّاسِ إلَى الْبَيْعَةِ وَتَشْمِيرِهِمْ إلَى الْحَرْبِ، اشْتَدّ رُعْبُهُمْ وَخَوْفُهُمْ وَأَسْرَعُوا إلَى الْقَضِيّةِ.